الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }

قوله تعالى: { مِن قَبْلِكُمْ }: يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بـ " خَلَتْ " ويجوزُ أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " سنن "؛ لأنه في الأصلِ يجوز أَنْ يكونَ وصفاً فلمَّا قُدِّم نُصِبَ حالاً.

والسُّنَنُ: جمع " سُنَّة " وهي الطريقةُ التي يكونُ عليها الإِنسانُ ويلازِمُها، ومنه " سنة الأنبياء " عليهم السلام. قال خالد الهذلي لخاله أبي ذؤيب:
1433ـ فلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أنت سِرْتَها     فَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسيرُها
وقال أخر:
1434ـ وإنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ     تَأَسَّوا فَسَنُّوا للكرامِ التآسِيا
وقال لبيد:
1435ـ مِنْ أمةٍ سَنَّتْ لهم آباؤُهم     ولكلِّ قومٍ سُنَّةٌ وإمامُها
وقال المفضل: " السُّنَّةُ الأُمَّة " ، وأنشد:
1436ـ ما عايَنَ الناسُ مِنْ فضلٍ كفضلكمُ     ولا رُئِيْ مثلُه في سائِرِ السُّنَنِ
ولا دليلَ فيه لاحتمالِه. وقال الخليل: " سَنَّ الشيءَ بمعنى صَوَّره ". ومنه:مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر: 26] أي: مُصَوَّر. وقيل: سَنَّ الماءَ والدرع إذا صَبَّهما، وقوله: { مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } يجوزُ أَنْ يكونَ منه، ولكنَّ نسبةَ الصبِّ إلى الطين بعيدةٌ. وقيل " مَسْنون " أي متغير. قال بعض أهل اللغة: " هي فُعْلَة من سَنَّ الماءَ يَسُنُّه إذا والى صَبَّه. والسَّنُّ: صَبُّ الماءِ والعرق ونحوهما، وأنشدَ لزهيرٍ:
1437ـ نُعَوِّدها الطِّرادَ فكلَّ يومٍ     تُسَنُّ على سنابِكها القُرونُ
أي: يُصَبُّ عليها العرقُ. وقيل: سُنَّة: فُعْلَة بمعنى مفعول كالغُرْفَة والأُكْلَة. وقيل: اشتقاقُها من سَنَنْتُ النَّصْلَ أَسُنُّه سَنَّاً إذا حَدَدْتَه، والمعنى أن الطريقة الحسنة معتنىً بها كما يُعْتنى بالنصل ونحوه. وقيل: مِنْ سَنَّ الإِبلَ: أذا أحسن رَعْيَها. والمعنى: أَنَّ صاحبَ السنة يقومُ على أصحابهِ كما يقومُ الراعي على إبلِه، وقد مَضَى مِنْ ذلك جملةٌ صالحةٌ في البقرة.

وقوله: { فَسِيرُواْ } جملةٌ معطوفةٌ على ما قبلَها. والتسبيبُ في هذه الألفاظِ ظاهرٌ أي: سَبَبُ الأمرِ بالسير لينظُروا نَظَرَ اعتبارٍ خُلُوُّ مَنْ قبلكم من الأمم وطرائقهم. وقال أَبو البقاء: " ودَخَلَتِ الفاء في " فسيروا " / لأنَّ المعنى على الشرطِ أي: إن شَكَكْتُم فسيروا.

قوله: { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } " كيف " خبرٌ مقدم واجبُ التقديم؛ لتضمُّنِه معنى الاستفهامِ وهو مُعَلِّقٌ لـ " انظروا " قبلَه، فالجملةُ في محل نصبٍ بعد إسقاطِ الخافضِ إذ الأصل: انظروا في كذا.