الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ }

قوله تعالى: { لِيَقْطَعَ }: في متعلَّق هذه اللام سبعةُ أوجه: أحدها: أنها متعلِّقة بقوله: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ } قاله الحوفي، وفيه بُعْدٌ لطولِ الفصلِ. الثاني: أنها متعلقةٌ بالنصر في قوله: { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } وفيه نظرٌ من حيث إنه قد فُصِل بين المصدر ومتعلَّقه بأجنبي وهو الخبر. الثالث: أنها متعلقة بما تعلق به الخبر وهو قوله: { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } والتقدير: وما النصر إلا كائن ـ أو إلا مستقر ـ من عند الله ليقطع. والرابع: أنها متعلقة بمحذوف تقديره: أمدَّكم ـ أو نصركم ـ ليقطع. الخامس: أنها معطوفةٌ على قوله: " ولتطمئِنَّ " ، حَذَفَ حرف العطف لفهم المعنى كقوله:ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } [الكهف: 22]، وعلى هذا فتكونُ الجملةُ من قولِه: { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } اعتراضيةً بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه، وهو ساقِطٌ الاعتبارِ. السادس: أنها متعلقةٌ بالجَعْل قاله ابن عطية. السابع: أنها متعلقةٌ بقولِه: " يُمْدِدْكم " ، وفيه بُعْدٌ للفواصلِ بينهما.

والطَّرَفُ: المرادُ به جماعة وطائفة، و " من الذين " يجوز أن يكون متعلقاً بالقطع فتكونَ " مِنْ " لابتداء الغاية. ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنها وصفٌ لـ " طرفاً " وتكون " مِنْ " للتبعيض.

قوله: { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } عطفٌ على " لِيقطعَ ". و " أو " قيل: على بابها من التفصيلِ أي: ليقطعَ طرفاً من البعضِ ويكبِتَ بعضاً آخرين. وقيل: بل هي بمعنى الواو أي: يجمع عليهم الشيئين.

والكَبْتُ: الإِصابة بمكروهٍ. وقيل: هو الصَّرْعُ للوجهِ واليدين، وعلى هذين فالتاءُ أصليةٌ، وليست بدلاً من شيء بل هي مادةٌ مستقلة. وقيل: أصلُه مِنْ كَبَده إذا أصابه بمكروهٍ، أثَّر في كَبدِه وَجَعاً كقولك: رَأَسْتُه أي: أصبتُ رأسَه ويدل على ذلك قراءة لاحق بن حميد: " أو يكبِدَهم " بالدال، والعربُ تُبْدِلُ التاءَ من الدال قالوا: هَرَتَ الثوبَ وهَرَده، وسَبَتَ رأسَه وسَبَدَه. وقد قيل: " إنَّ قراءةَ لاحِق أصلُها التاء، وإنما أُبْدِلَتْ دالاً كقولِهم: سَبَدَ رأسه وهَرَدَ الثوب، والأصلُ فيهما: التاء ".

وقوله: { فَيَنقَلِبُواْ } مُرَتَّبٌ على ما تقدَّم. والخَيْبَةُ: عَدَمُ الظفر بالمطلوب، خاب يَخيب خَيْبَة. و " خائبين " نصب على الحال.