الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { مِّن دُونِكُمْ }: يجوز أن يكون صفة لـ " بِطانة " فيتعلَّقَ بمحذوف، أي: كائنةً من غيركم. وقدَّره الزمخشري: " من غيرِ أبناء جنسكم، وهم المسلمون " ويجوزُ أَنْ يتعلَّق بفعل النهي. وجَوزَّ بعضُهم أن تكون " مِنْ " زائدةً، والمعنى: دونَكم في العمل والإِيمان.

وبِطانة الرجل: خاصَّتُه الذين يُباطِنُهم في الأمور، ولا يُظْهر غيرَهم عليها مشتقةً من البَطْن، والباطنُ: دون الظاهر، وهذا كما استعاروا الشِّعار والدِّثار في ذلك. قال عليه السلام: " الناسُ دِثار والأنصارُ شِعار " والشِّعار ما يلي جسدك من الثياب. ويقال: " بَطَن فلانٌ بفلان بُطوناً وبِطانة ". قال الشاعر:
1396ـ أولئك خُلْصاني نَعَمْ وبِطانتي     وهم عَيْبَتي مِنْ دونِ كلِّ قريب
قوله: { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } يقال: " أَلاَ في الأمر يَأْلُو فيه " أي: قَصَّر نحو: غزا يغزو، فأصلُه أن يتعدَّى بحرف الجر كما ترى.

واختُلِف في نصب " خَبالا " على أوجهٍ. أحدُها: أنه مفعولٌ ثانٍ. والضميرُ هو الأول، وإنما تَعَدَّى لاثنين للتضمين. قال الزمخشري: " يقال: ألا في الأمر يَأْلُو فيه أي: قَصَّر، ثم استُعْمِل مُعَدَّىً إلى مفعولين في قولهم: " لا آلوك نُصْحاً ولا ألوك جُهْداً " على التضمين، والمعنى: لا أمنعُك نُصْحاً ولا أَنْقُصُكه ".

الثاني: أنه منصوبٌ على إسقاط حرفِ الجر، والأصل: لا يألونكم في خَبال أي: في تخبيلكم وهذا غيرُ منقاسٍ، بخلافِ التضمين فإنه منقاسٌ، وإنْ كان فيه خلافٌ واهٍ.

الثالث: أن ينتصبَ على التمييز، وهو حينئذٍ تمييز منقول من المفعولية، والأصلُ: لا يَألون خبالكم أي: في خبالكم: ثم جُعِل الضميرُ المضاف إليه مفعولاً بعد إسقاط الخافض، فنُصِب " الخبال " الذي كان مضافاً تمييزاً، ومثله قولُه تعالى:وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } [القمر: 12] أي: " عيون الأرضِ " فَفُعلِ به ما تقدَّم، ومثلُه في الفاعلية:وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } [مريم: 4] الأصل: " شيبُ الرأس " ، وهذا عند مَنْ يُثْبت كونَ التمييز منقولاً من المفعوليةِ. وقد مَنَعَه بعضُهم، وتأوَّل قولَه تعالى: { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } على أنَّ " عيوناً " بدلُ بعضٍ من كل، وفيه حَذْفُ العائدِ أي: عيوناً منها. وعلى هذا التخريجِ يجوزُ أَنْ يكونَ " خبالاً " بدلَ اشتمال من " كم " ، والضميرُ أيضاً محذوفٌ أي: " خبالاً منكم " وهذا وجه رابع.

الخامس: أنه/ مصدرٌ في موضع الحال أي: مُتَخَبِّلين. السادس: قال ابن عطية: معناه: لا يُقَصِّرون لكم فيما فيه من الفسادِ عليكم " ، فعلى هذا الذي قَدَّره يكونُ المضمر و " خبالاً " منصوبين على إسقاطِ الخافض وهو اللام و " في ".

وهذه الجملةُ فيها ثلاثةُ أوجه. أحدُها: أنها استئنافيةٌ لا محلَّ لها من الإِعراب، وإنما جيء بها وبالجملِ التي بعدَها لبيانِ حالِ الطائفةِ الكافرة حتى يَنْفِروا منها فلا يتخذوها بِطانةً، وهو وجه حسن.

السابقالتالي
2 3