قوله: { حُسْناً }: فيه أوجهٌ، أحدُها، أنه نعتُ مصدرٍ محذوفٍ أي إيصاءً حُسْناً: إمَّا على المبالغةِ، جُعِل نفسَ الحُسْن، وإمَّا على حَذْفِ مضاف أي: ذا حُسْن. الثاني: أنه مفعولٌ به. قال ابنُ عطية: " وفي ذلك تَجَوَّزٌ. والأصلُ: ووَصَّيْنا الإِنسانَ بالحُسْن في فِعْله مع والدَيْه. ونظيرُ هذا قولُ الشاعر:
3634- عَجِبْتُ مِنْ دَهْماءَ إذ تَشْكُوْنا
ومِنْ أبي دَهْماءَ إذ يُوصِيْنا
خيراً بنا كأنَّنا جافُونا
ومثلُه قولُ الحطيئة:
3635- وَصَّيْتُ مِنْ بَرَّةَ قلباً حُرَّاً
بالكَلْبِ خيراً والحَماةِ شَرَّاً
وعلى هذا فيكونُ الأصلُ: وصَّيْناه بحُسْنٍ في أَمْرِ والدَيْه ثم جُرَّ الوالدان بالباء فانتصَبَ " حُسْناً " ، وكذلك البيتان. والباءُ في الآية والبيتين في هذه الحالةِ للظرفيةِ. الثالث: أنَّ " بوالديه " هو المفعولُ الثاني: فينتصبُ " حُسْناً " بإضمار فعلٍ أي: يَحْسُن حُسْناً، فيكونُ مصدراً مؤكداً. كذا قيل. وفيه نظرٌ؛ لأنَّ عاملَ المؤكِّد لا يُحْذَفُ. الرابع: أنَّه مفعولٌ به على التضمينِ أي: أَلْزَمْناه حُسْناً. الخامس: أنَّه على إسقاطِ الخافض أي: بحُسْنٍ. وعبَّر صاحب " التحرير " عن ذلك بالقطع. السادس: أنَّ بعضَ الكوفيين قَدَّره: ووصَّيْنا الإِنسانَ أَنْ يَفْعَلَ بوالديه حُسْناً. وفيه حَذْفُ " أنْ " وصلتِها وإبقاءُ معمولِها. ولا يجوزُعند البصريين. السابع: أنَّ التقديرَ: ووصَّيْناه بإيتاءِ والدَيْه حُسناً. وفيه حَذْفُ المصدرِ، وإبقاءُ معمولِه. ولا يجوزُ. الثامن: أنَّه منصوبٌ انتصابَ " زيداً " في قولِك لمَنْ رأيتَه مُتَهيِّئاً للضَرْب: زيداً أي: اضرِبْ زيداً. والتقديرُ هنا: أَوْلِهما حُسْناً أو افعلْ بهما حُسْناً. قالهما الزمخشري. وقرأ عيسى والجحدري/ " حَسَناً " بفتحتين، وهما لغتان كالبُخْلِ والبَخَل، وقد تقدَّم ذلك أوائل البقرة.