الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله: { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم }: هي الامتناعيةُ. وأنْ وما في حَيِّزها في موضعِ رفعٍ بالابتداءِ. أي: ولولا إصابتُهم المصيبةَ. وجوابُها محذوفٌ فقدَّره الزجاج: " ما أرْسَلْنا إليهم رُسُلاً " يعني: أنَّ الحاملَ على إرسالِ الرسلِ إزاحةُ عِلَلِهم بهذا القولِ فهو كقولِه:لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } [النساء: 165]. وقدَّره ابنُ عطية: " لعاجَلْناهم " ولا معنىٰ لهذا.

و " فَيَقولوا " عطفٌ [على] " تُصيبَهم " ، و " لولا " الثانيةُ تحضيضٌ و " فنَتَّبِعَ " جوابُه، فلذلك نُصِبَ بإضمار " أَنْ ". قال الزمخشري: " فإن قلتَ: كيف استقامَ هذا المعنى، وقد جُعِلَتْ العقوبةُ هي السببية لا القولُ؛ لدخولِ حرفِ الامتناعِ عليه دونَه؟ قلت: القولُ هو المقصودُ بأَنْ يكونَ سبباً للإِرسال ولكنَّ العقوبةَ لَمَّا كانت هي السببَ للقولِ، وكان وجودُه بوجودِها جُعِلَتِ العقوبةُ كأنها سببٌ للإِرسالِ بواسطة القولِ فَأُدْخلَتْ عليها " لولا ". وجيْءَ بالقول معطوفاً عليها بالفاءِ المُعْطِيَةِ معنى السببية، ويَؤُول معناه إلى قولِك: " ولولا قولُهم هذا إذا أصابَتْهم مصيبةٌ لَمَا أَرْسَلْنا " ولكن اخْتِيْرَتْ هذه الطريقةُ لنُكتةٍ: وهي أنهم لو لم يُعاقَبوا مثلاً على كفرِهم وقد عاينوا ما أُلْجِئوا به إلى العلمِ اليقين لم يقولوا: لولا أَرْسَلْتَ إلينا رسولاً، وإنما السببُ في قولِهم هذا هو العقابُ لا غيرَ، لا التأسُّفُ على ما فاتهم من الإِيمان بخالِقهم ".