الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }

قوله: { أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى }: رُوِيَ عن أبي عمرٍو: " أُنْكِحك حْدَىٰ " بحَذْفِ همزةِ " إحْدىٰ " ، وهذه تُشْبِهُ قراءةَ ابن محيصن " فجاءَتْه حْداهما ". وتقدَّم التشديدُ في نونِ " هاتَيْن " في سورةِ النساء.

قوله: { عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي } في محلِّ نصبٍ على الحالِ: إمَّا من الفاعلِ أو من المفعول أي: مَشْروطاً على، أو عليك ذلك. " وتَأْجُرَني " مضارعُ أَجَرْتُه: كنتُ له أَجيراً. ومفعولُه الثاني محذوفٌ أي: تَأْجُرني نفسَك. و " ثماني حِجَج " ظرفٌ له. ونقل الشيخ عن الزمخشري أنها هي المفعولُ الثاني: قلتُ: الزمخشريُّ لم يَجْعَلها مفعولاً ثانياً على هذا الوجهِ، وإنما جَعَلَها مفعولاً ثانياً على وجهٍ آخرَ. وأمَّا على هذا الوجهِ فلم يَجْعَلْها غيرَ ظرفٍ. وهذا نصُّه ليتبيَّنَ لك. قال: " تَأْجُرُني مِنْ أَجَرْتُه إذا كنتَ له أَجيراً، كقولك: أَبَوْتُه إذا كنتَ له أباً. وثماني حِججٍ ظرفٌ، أو مِنْ آجَرْتُه [كذا]: إذا أَثْبَتَّه [إياه]. ومنه تعزيةٌ/ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: " آجَرَكم اللهُ ورَحِمَكم " و " ثمانيَ حِجَجٍ " مفعولٌ به. ومعناه رِعْيَةَ ثَمانِي حِججٍ ". فنقل الشيخُ عنه الوجهَ الأولَ من المعنيَيْن المذكورَيْن لـ " تَأْجُرَني " فقط، وحكى عنه أنه أعربَ " ثمانيَ حِجَج " مفعولاً به. وكيف يَسْتقيم ذلك أو يَتَّجه؟ وانظر إلى الزمخشريِّ كيف قَدَّر مضافاً ليَصِحَّ المعنى به أي: رَعْيَ ثماني حِجج؛ لأنَّ العملَ هو الذي تقع الإِثابة عليه لا نفسُ الزمان فكيف تُوَجَّه الإِجازةُ على الزمان؟

قوله: { فَمِنْ عِندِكَ } يجوزُ أَنْ يكونَ في محلِّ رفع خبراً لمبتدأ محذوفٍ، تقديرُه: فهي مِنْ عندِك، أو نصبٍ أي: فقَد زِدْتها أو تَفَضَّلْتَ بها مِنْ عندِك.

قوله: { أَنْ أَشُقَّ } مفعولُ " أُرِيْدُ ". وحقيقةُ قولِهم " شَقَّ عليه " أي: شَقَّ ظَنَّه نِصْفَيْن، فتارةً يقول: أُطيق، وتارة: لا أُطيق. وهو مِنْ أحسنِ مجازٍ.