الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }

قوله: { تَحْسَبُهَا جَامِدَةً }: هذه الجملةُ حاليةٌ مِنْ فاعلِ " تَرَىٰ " ، أو مِنْ مفعولهِ؛ لأنَّ الرؤيةَ بَصَريةٌ.

قوله: { وَهِيَ تَمُرُّ } الجملةُ حاليةٌ أيضاً. وهكذا الأجرامُ العظيمةٌ تراها واقفةً وهي مارَّة. قال النابغةُ الجعديُّ يصف جيشاً كثيفاً:
3583ـ بأَرْعَنَ مثلِ الطَّوْدِ تَحْسَبُ أنَّهم    وُقوفٌ لِحاجٍ والرِّكابُ تُهَمْلِجُ
و " مرَّ السَّحابِ " مصدرٌ تشبيهيٌّ.

قوله: { صُنْعَ ٱللَّهِ } مصدرٌ مؤكِّدٌ لمضمونِ الجملةِ السابقةِ. عاملُه مضمرٌ. أي: صَنَعَ اللهُ ذلك صُنْعاً، ثم أُضِيف بعد حَذْفِ عامِله. وجعلَه الزمخشريُّ مؤكِّداً للعاملِ فييَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } [النمل: 87] وقَدَّره " ويومَ يُنْفَخُ " وكان كيتَ وكيتَ أثابَ اللهُ المحسنين، وعاقَبَ المسيئين، في كلامٍ طويلٍ حَوْماً على مذهبه. وقيل: منصوبٌ على الإِغراء أي: انظروا صُنْعَ اللهِ وعليكم به.

والإِتْقانُ: الإِتيانُ بالشيءِ على أكملِ حالاتِه. وهو مِنْ قولِهم " تَقَّن أَرْضَه " إذا ساقَ إليها الماءَ الخاثِرَ بالطينِ لتَصْلُحَ لِلزراعة. وأرضٌ تَقْنَةٌ. والتَّقْنُ: فِعْلُ ذلك بها، والتَّقْنُ أيضاً: ما رُمِيَ به في الغدير من ذلك أو الأرض.

قوله: { بِمَا تَفْعَلُونَ } قرأ ابنُ كثير وأبو عمرٍو وهشام بالغَيْبة جرْياً على قولِه: " وكلٌّ أَتَوْهُ ". والباقون بالخطاب جَرْياً على قولِه: " وتَرى " لأنَّ المرادَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأمَّتُه.