الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } * { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }

قوله: { وَجَدتُّهَا }: هي التي بمعنى لَقِيْتُ] وأَصَبْتُ/ فتتعدَّىٰ لواحدٍ، فيكونُ " يَسْجُدون " حالاً مِنْ مفعولِها وما عُطِفَ عليه.

قوله: { أَلاَّ يَسْجُدُواْ }: قرأ الكسائيُّ بتخفيف " ألا " ، والباقون بتشديدها. فأمَّا قراءةُ الكسائيِّ فـ " ألا " فيها تنبيهٌ واستفتحاحٌ، و " يا " بعدها حرفُ نداءٍ أو تنبيهٍ أيضاً على ما سيأتي و " اسْجُدوا " فعلُ أمرٍ. وكان حَقٌّ الخَطِّ على هذه القراءةِ أن يكونَ " يا اسْجُدوا " ، لكنَّ الصحابةَ أسقطُوا ألفَ " يا " وهمزةَ الوصلِ من " اسْجُدوا " خَطَّاً لَمَّا سَقَطا لفظاً، ووَصَلُوا الياءَ بسين " اسْجُدوا " ، فصارَتْ صورتُه " يَسْجُدوا " كما ترى، فاتَّحدت القراءتان لفظاً وخَطَّاً واختلفتا تقديراً.

واختلف النحويون في " يا " هذه: هل هي حرفُ تنبيهٍ أو للنداءِ، والمنادَىٰ محذوفٌ تقديرُه: يا هؤلاءِ اسْجُدوا؟ وقد تقدَّم ذلك عند قولِه:يٰلَيتَنِي } [الآية: 73] في سورة النساء. والمرجَّحُ أَنْ تكونَ للتنبيهِ؛ لئلا يُؤَدِّيَ إلى حَذْفٍ كثيرٍ مِنْ غيرِ بقاءِ ما يَدُلُّ على المحذوفِ. ألا ترىٰ أنَّ جملةَ النداءِ حُذِفَتْ، فلو ادَّعَيْتَ حَذْفَ المنادَىٰ كَثُرَ الحذفُ ولم يَبْقَ معمولٌ يَدُلُّ على عامِلِهِ، بخلافِ ما إذا جَعَْلتَها للتنبيهِ. ولكنْ عارَضَنَا هنا أنَّ قبلَها حرفَ تنبيهٍ آخرَ وهو " ألا ". وقد اعْتُذِرَ عن ذلك: بأنه جُمِع بينهما تأكيداً. وإذا كانوا قد جَمَعُوا بين حرفين عامِلَيْنِ للتأكيدِ كقوله:
3559ـ فَأَصْبَحْنَ لا يَسْألْنَنِي عَنْ بما به     ......................
فغيرُ العامِلَيْن أَوْلَىٰ. وأيضاً فقد جَمَعُوا بين حَرْفَيْنِ عامِلَيْنِ مُتَّحِدَّيْ اللفظِ والمعنى، كقوله:
3560ـ فلا واللهِ لا يُلْفَىٰ لِما بي     ولا لِلِما بهم أبداً دَواءُ
فهذا أَوْلَى. وقد كَثُرَ مباشرةُ " يا " لفعلِ الأمرِ وقبلَها " ألا " التي للاستفتاح كقوله:
3561ـ ألا يا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلمي ثُمَّتَ اسْلَمي    ثلاثَ تحيَّاتٍ وإنْ لَمْ تَكَلَّمي
وقوله:
3562ـ ألا يا اسْلَمِي يا دارَ مَيَّ على البِلى     ولا زالَ مُنْهَلاًّ بجَرْعائِكِ القَطْرُ
وقوله:
3563ـ ألا يا اسلمي ذاتَ الدَّماليجِ والعِقْدِ     وذَاتَ اللِّثاثِ الجُمِّ والفاحِمِ الجَعْدِ
وقوله:
364ـ ألا يا اسْلمي يا هندُ هندَ بني بدرٍ     وإن كان حَيَّانا عِداً آخرَ الدهرِ
وقوله:
3565ـ ألا يا اسْقِياني قبلَ حَبْلِ أبي بكرِ     لعل منايانا قَرُبْنَ ولا نَدْري
وقوله:
3566ـ ألا يا اسْقِياني قبلَ غارةِ سِنْجالِ     ............................
وقوله:
3567ـ فقالَتْ ألا يا اسْمَعْ أَعِظْكَ لخُطْبةٍ     فقلتُ: سَمِعْنا فانْطِقي وأَصِيْبي
وقد جاءَ ذلك، وإنْ لم يكنْ قبلَها " ألا " كقوله:
3568ـ يا دارَ هندٍ يا اسْلَمي ثُمَّ اسْلَمي     بِسَمْسَِمٍ أو عَنْ يمين سَمْسَِمِ
فقد عَرَفْتَ أنَّ قراءةَ الكسائيِّ قويةٌ لكثرةِ دَوْرِها في لغتهم.

وقد سُمع ذلك في النثر، سُمِع بعضُهم يقول: ألا يا ارحموني، ألا يا تَصَدَّقوا علينا. وأمَّا قولُ الأخرِ:
3569ـ يا لعنةَ اللهِ والأقوامِ كلِّهمُ     والصالحينَ على سَمْعانَ مِنْ جارِ
فيُحتمل أَنْ تكونَ يا للنداء، والمنادىٰ محذوف، وأَنْ تكونَ للتنبيهِ وهو الأرجحُ لِما مَرَّ.

السابقالتالي
2 3 4