الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

قوله: { تَخْرُجْ }: الظاهرُ أنه جوابٌ لقولِه " أَدْخِلْ " أي: إنْ أَدْخَلْتَها تَخْرُجْ على هذه الصفةِ، وقيل: في الكلامِ حَذْفٌ تقديرُه: وأَدْخِلْ يدَك تَدْخُلْ، وأَخْرِجْها تَخْرُجْ. فَحَذَفَ من الثاني ما أَثْبَتَه في الأولِ، ومن الأولِ ما أَثْبته في الثاني. وهذا تقديرُ ما لا حاجةَ إليه.

قوله: { بَيْضَآءَ } حالٌ مِنْ فاعلِ " تَخْرُجْ ". و { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً أخْرىٰ، أو مِن الضميرِ في " بَيْضاء " أو صفةً لـ " بَيْضاءَ ".

قوله: { فِي تِسْعِ } فيه أوجهٌ، أحدُها: أنهُ حالٌ ثالثة. قال أبو البقاء. يعني: مِنْ فاعل يَخْرُجْ " / أي: آيةً في تسعِ آياتٍ. كذا قدَّره، والثاني: أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ أي: اذهَبْ في تسعِ. وقد تَقَدَّم اختيارُ الزمخشري لذلك في أولِ هذه الموضوعِ عند ذِكْر البَسْملةِ، ونَظَّره بقولِ الآخرِ:
3543ـ وقُلْتُ إلى الطَعامِ فقالَ منهم     .......................
وقولهم: " بالرَّفاهِ والبنين " ، وجَعَلَ هذا التقديرَ أعربَ وأحسنَ. الثالث: أَنْ يتعلَّقَ بقولِه: " وأَلْقِ عَصاكَ وأَدْخِلْ ". قال الزمخشري: " ويجوزُ أَنْ يكونَ المعنىٰ: وأَلْقِ عَصاكَ وأَدْخِلْ يَدك في تسع آياتٍ أي: في جملةِ تسعِ آياتٍ. ولقائلٍ أَنْ يقولَ: كانَتِ الآياتُ إحدىٰ عشرةَ منها اثنتان: اليدُ والعَصا. والتِّسْعُ: الفَلْقُ والطُّوفانُ والجَرادُ والقُمَّلُ والضفادِعُ والدَّمُ والطَّمْسَةُ والجَدْبُ في بَواديهم، والنُّقْصانُ في مزارِعهم " انتهى. وعلى هذا تكونُ " في " بمعنىٰ " مع " لأنَّ اليدَ والعَصا حينئذٍ خارِجتان مِن التِّسْع، وكذا فعلَ ابنُ عطية، أعني أنه جَعَلَ " في تِسْع " متصلاً بـ " أَلْقِ " و " أَدْخِلْ " إلاَّ أنَّه جَعَلَ اليدَ والعَصا مِنْ جملةِ التسعِ. وقال: " تقديرُه نُمَهِّد لكَ ذلك، ونُيَسِّر في [جملةِ] تسعِ ".

وجَعَلَ الزجاجُ أنَّ " في " بمعنىٰ " مِنْ " قال: كما تقول: خُذْ لي من الإِبلِ عشراً فيها فَحْلان أي: منها فَحْلان ".

قولُه: { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } هذا متعلِّقٌ بما تَعَلَّقَ به " في تسعِ " ، إذا لم تَجْعَلْه حالاً، فإنْ جَعَلْناه حالاً عَلَّقْناه بمحذوفٍ، فقدَّره أبو البقاء " مُرْسَلاً إلى فرعون ". وفيه نظرٌ؛ لأنَّه كونٌ مقيدٌ وسبَقَه إلى هذا التقديرِ الزجاجُ، وكأنهما أرادا تفسيرَ المعنىٰ دونَ الإِعرابِ. وجَوَّزَ أبو البقاء أيضاً أن تكونَ صفةً لآيات، وقدَّره: " واصلةً إلى فرعونَ ". وفيه ما تقدَّم.