الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ }

قوله: { ذِكْرَىٰ }: يجوزُ فيها أوجهٌ، أحدُها: أنها مفعولٌ مِنْ أجله. وإذا كانَتْ مفعولاً مِنْ أجلهِ ففي العاملِ فيه وجهان، أحدهما: " مُنْذِرُوْن " ، على أنَّ المعنى: مُنْذِرون لأجلِ الموعظةِ والتذكرةِ. الثاني: " أَهْلَكْنا ". قال الزمخشري: " والمعنى: وما أهلَكْنا مِنْ أهلِ قريةٍ ظالمين إلاَّ بعدَما ألزَمْناهم الحُجَّةَ بإرسالِ المُنْذَرِين إليهم ليكون [إهلاكُهم] تذكرةً وعبرةَ لغيرِهم فلا يَعْصُوا مثلَ عصيانِهم " ثم قال: " وهذا الوجهُ عليه المُعَوَّل ".

قال الشيخ " وهذا لا مُعَوَّلَ عليه؛ فإنَّ مذهبَ الجمهورِ أنَّ ما قبل " إلاَّ " لا يعمل فيما بعدها، إلاَّ أَنْ يكونَ مستثنىٰ، أو مستثنىٰ منه، أو تابعاً له غيرَ معتمدٍ على الأداة نحو: " ما مررت بأحدٍ إلاَّ زيدٌ من عمروٍ " ، والمفعولُ له ليس واحداً من هذه. ويتخرَّج مذهبُه على مذهبِ الكسائي والأخفشِ، وإن كانا لم يَنُصَّا على المفعولِ له بخصوصيَّته ". قلت: والجواب ما تقدَّم قبلَ ذلك مِنْ أنَّه يختارُ مذهبَ الأخفش.

الثاني: من الأوجهِ الأُوَلِ: أنَّها في محلِّ رفع خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي: هذه ذِكْرىٰ. وتكونُ الجملةُ اعتراضيةً. الثالث: أنها صفةٌ لـ مُنْذِرُوْن: إمَّا على المبالغةِ، وإمَّا على الحذفِ أي: مُنْذروْن ذَوو ذكرى، أو على وقوعِ المصدرِ وقوعَ اسمِ الفاعلِ أي: مُنْذِرون مُذكِّرون. وقد تقدَّم تقريرُ ذلك. الرابع: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال أي: مُذَكِّرين، أو ذوي ذكرىٰ، أو جُعِلوا نفسَ الذكرى مبالغةً. الخامس: أنها منصوبةٌ على المصدرِ المؤكِّد. وفي العاملِ فيها حينئذٍ وجهان، أحدُهما: لفظُ " مُنْذِرُون " لأنَّه مِنْ معناها فهما كـ " قَعَدْتُ جلوساً ". والثاني: أنه محذوفٌ مِنْ لفظِها أي: تَذْكُرون ذِكْرى. وذلك المحذوفُ صفةٌ لـ " مُنْذِرون ".