* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق
قوله: { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً }: قرأ ابن عامر " تكن " بالتاء مِنْ فوقُ " آيةٌ " بالرفع. والباقون " يكنْ " بالياء مِنْ تحتُ " آيةً " بالنصب. وابن عباس " تكن " بالتاء مِنْ فوقُ و " آيةً " بالنصبِ. فأمَّا قراءةُ ابن عامرٍ فـ " تكون " تُحتمل أَنْ تكونَ تامةً، وأَنْ تكونَ ناقصةً. فإن كانَتْ تامةً جاز أن يكونَ ِ " لهم " متعلقاً بها، و " آيةٌ " فاعلاً بها. و " أَنْ يعلَمَه ": إمَّا بدلٌ مِنْ آية، وإمَّا خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: أو لم يَحْدُثْ لهم علامَةُ عِلْمِ علماءِ بني إسرائيل.
وإنْ كانَتْ ناقصةً جاز فيها أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ يكونَ اسمُها مضمراً فيها بمعنى القصةِ، و " آيةٌ أَنْ يَعْلَمَه " جملةٌ قُدِّم فيها الخبرُ واقعةٌ موقعَ خبر " تكن ". الثاني: أن يكونَ اسمُها ضميرَ القصةِ أيضاً، و " لهم " خبرٌ مقدمٌ، و " آيةٌ " مبتدأٌ مؤخر، والجملةُ خبر " تكن " و " أَنْ يعلَمَه ": إمَّا بدلٌ من " آيةٌ " ، وإمَّا خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي أَنْ يعلَمه. الثالث: أَنْ يكونَ " لهم " خبرَ " تكنْ " مقدَّماً على اسمها، و " آيةٌ " اسمُها و " أَنْ يعلَمَه " على الوجهين المتقدِّمين: البدليةِ وخبرِ ابتداءٍ مضمرٍ. الرابع: أَنْ يكونَ " آيةٌ " اسمَها و " أَنْ يعلمَه " خبرُها. وقد اعتُرِضَ هذا: بأنه يَلْزَمُ جَعْلُ الاسمِ نكرةً، والخبرِ معرفةً. وقد نصَّ بعضُهم على أنه ضرورةٌ كقوله:3533ـ....................... | | ولا يَكُ مَوْقِفٌ منكِ الوَداعا |
وقوله:3534ـ......................... | | يكون مزاجَها عَسَلٌ وماءُ |
وقد اعتُذِر عن ذلك: بأنَّ " آية " قد تخصَّصَتْ بقوله: " لهم " فإنه حالٌ منها، والحال صفة، وبأن تعريفَ الجنسِ ضعيفٌ لعمومه. وهو اعتذارٌ باطلٌ ولا ضرورةَ تَدْعُو إلى هذا التخريجِ، بل التخريجُ ما تقدم.
وأمَّا قراءةُ الباقينَ فواضحةٌ جداً فـ " آيةً " خبرٌ مقدمٌ، و " أَنْ يَعْلَمه " اسمُها مؤخرٌ، و " لهم " متعلِّقٌ بآية حالاً مِنْ " آية ".
وأمَّا قراءةُ ابنِ عباس فكقراءةِ { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهم إلاَّ أَنْ قَالوا } [الأنعام: 23] وكقول لبيد:3535ـ فمضَى وقدَّمها وكانت عادَةً | | منه إذا هي عَرَّدَتْ إقدامُها |
إمَّا لتأنيثِ الاسمِ لتأنيِث [الخبر]، وإمَّا لأنه بمعنى المؤنث. ألا ترىٰ أنَّ " أَنْ يعلَمَه " في قوةِ " المعرفةِ " و " إلاَّ أَنْ قالوا " في قوة " مقالتهم " وإقدامها " بإقدامتها ".
وقرأ الجحدريُّ: " أَنْ تعلمَه " بالتاء من فوق. شَبَّه البنين بجمع التكسير في تغيُّر واحدِه صورةً، فعامَلَ فعلَه المسندَ إليه معاملةَ فعلِه في لَحاقِ علامةِ التأنيثِ. وهذا كقوله:3536ـ قالَتْ بنو عامرٍ خالُوا بني أَسَدٍ | | يا بؤسَ للجَهْلِ ضَرَّاراً لأَقْوامِ |
وكتبوا في الرسم الكريم " عُلَمؤا " بواو الميمِ والألف. قيل: هو على لغة مَنْ يُميل الألفَ نحو الواوِ، وهذا كما فُعِلَ في الصلاةِ والزكاةِ.