الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً }

قوله: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ }: العاملُ في " يومَ ": إمَّا اذْكُرْ، وإمَّا: ينفردُ اللهُ بالمُلْك يومَ تَشَقَّقُ، لدلالة قوله:ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } [الفرقان: 26] عليه.

وقرأ الكوفيون وأبو عمرو هنا وفي ق " تَشَقَّق " بالتخفيف. والباقون بالتشديدِ. وهما واضحتان. حَذَفَ الأَوَّلون تاءَ المضارعةِ، أو تاءَ التَّفَعُّلِ، على خلافٍ في ذلك. والباقون أَدْغموا تاء التَفَعُّل في الشين لِما بينهما من المقاربَةِ، وهما " كَتَظَاهَرون وتَظَّاهرون " حَذْفاً وإدغاماً. وقد مَضَىٰ في البقرة.

قوله: { بِٱلْغَمَامِ } في هذه الباء ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: على السببيَّة أي: بسببِ الغَمام، يعني بسببِ طُلوعِه منها. ونحوالسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } [المزمل: 18] كأنَّه الذي تَنْشَقُّ به السماءُ. الثاني: أنها للحالِ أي: ملتبسَةً بالغَمام. الثالث: أنها بمعنىٰ عَنْ أي: عن الغمامِ كقوله:يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ } [ق: 44].

قوله: { وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ } فيها اثنتا عشرة قراءة: ثِنْتان في المتواتِر، وعشرٌ في الشاذ. فقرأ ابن كثير من السبعة " ونُنْزِلُ " بنونِ مضمومةٍ ثم أُخْرى ساكنةٍ وزايٍ خفيفةٍ مكسورةٍ مضارعَ " أَنْزَلَ " ، و " الملائكةَ بالنصبِ مفعولٌ به. وكان من حَقِّ المصدرِ أَنْ يجيءَ بعد هذه القراءةِ على إنْزال. قال أبو علي: " لَمَّا كان أَنْزَل ونَزَّل يَجْريان مَجْرىً واحِداً، أَجْرىٰ مصدرَ أحدِهما على مصدرِ الآخر: وأنشدَ:
3482ـ وقد تَطَوَّيْتُ انْطِواءَ الحِضْبِ   
لأنَّ تَطَوَّيْتُ وانْطَوَيْتُ بمعنىً ". قلت: ومثلُهوَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [المزمل: 8] أي: تَبَتُّلاً. وقرأ الباقون من السبعةِ " ونُزِّل " بضمِّ النون وكسرِ الزاي المشدَّدةِ وفتحِ اللامِ، ماضياً مبنياً للمفعول. " الملائكةُ " بالرفعِ لقيامةِ مقامَ الفاعلِ. وهي موافقةٌ لمصدرِها.

وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء " ونَزَّلَ " بالتشديد ماضياً مبنياً للفاعلِ، وهو الله تعالىٰ، " الملائكةَ " مفعولٌ به. وعنه أيضاً " وأَنْزَل " مبنياً للفاعلِ عَدَّاه بالتضعيفِ مرةً، وبالهمزة أخرى. والاعتذارُ عن مجيء مصدرِه على التفعيلِ كالاعتذارِ عن ابنِ كثير. وعنه أيضاً " وأُنْزِل " مبنياً للمفعولِ.

وقرأ هارون عن أبي عمرٍو " وتُنَزِّل الملائكةُ " بالتاء من فوق وتشديدِ الزايِ ورفعِ اللام مضارعاً مبنياً للفاعل، " الملائكةُ " بالرفعِ، مضارعَ نَزَّل بالتشديد، وعلى هذه القراءةِ فالمفعولُ محذوفٌ أي: وتُنَزِّل الملائكةُ ما أُمِرَتْ أَنْ تُنَزِّلَه.

وقرأ الخَفَّاف عنه، وجناح بن حبيش " ونَزَل " مخففاً مبنياً للفاعلِ " الملائكةُ " بالرفع. وخارجة عن أبي عمرٍو أيضاً وأبو معاذ " ونُزِّلُ " بضم النون وتشديدِ الزاي ونصب " الملائكةَ ". والأصل: ونُنَزِّلُ بنونين حُذِفَتْ إحداهما.

وقرأ أبو عمرٍو وابنُ كثير في روايةٍ عنهما بهذا الأصلِ " ونُنَزِّل " بنونين وتشديدِ الزايِ. وقرأ أُبَيُّ و " نُزِّلَتْ " بالتشديدِ مبنياً للمفعولِ. و " تَنَزَّلَتْ " بزيادةِ تاءٍ في أولهِ، وتاءِ التأنيث فيهما.

السابقالتالي
2