الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً }

قوله: { يَوْمَ يَرَوْنَ }: فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه منصوبٌ بإضمار فعلٍ يَدُلُّ عليه قوله: " لا بُشْرىٰ " أي: يُمْنعون البشرىٰ يومَ يَرَوْن. الثاني: أنه منصوبٌ باذْكُرْ، فيكونُ مفعولاً به. الثالث: أنه منصوبٌ بـ " يُعَذَّبون " مقدَّراً. ولا يجوز أَنْ يعملَ فيه نفسُ البُشْرىٰ/ لوجهين، أحدهما: أنها مصدرٌ، والمصدرُ لا يعملُ فيما قبله. والثاني: أنها منفيةٌ بـ " لا " ، وما بعدَها لا يَعْمل فيما قبلَها.

قوله: { لاَ بُشْرَىٰ } هذه الجملةُ معمولةٌ لقولٍ مضمرٍ أي: يَرَوْنَ الملائكةَ يقولون: لا بُشْرَىٰ، فالقولُ حالٌ من الملائكة. وهو نظيرُ التقديرِ في قولِه تعالىٰ:وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [الرعد: 23]. قال الشيخ: " واحْتَمَلَ " بُشْرَى " أَنْ يكونَ مبنياً مع " لا " ، واحْتَمَل أن يكونَ في نيةِ التنوينِ منصوبَ اللفظِ، ومُنِع من الصرفِ للتأنيثِ اللازمِ. فإنْ كان مبنياً مع " لا " احْتَمَلَ أَنْ يكونَ " يومئذٍ " خبراً، و " للمجرمين " خبرٌ بعد خبرٍ، أو نعتاً لـ " بُشْرىٰ " ، أو متعلقاً بما تَعَلَّق به الخبرُ، وأَنْ يكونَ " يومئذٍ " صفةً لـ " بُشْرَى " ، والخبرُ " للمجرمين " ويجيءُ خلافُ سيبويهِ والأخفشِ: هل الخبرُ لنفسِ لا، أو الخبرُ للمبتدأ الذي هو مجموعُ " لا " وما بُني معها؟ وإن كان في نيةِ التنوينِ وهو معربٌ جاز أن يكونَ " يومئذٍ " و " للمجرمين ". خبرين، وجاز أَنْ يكونَ " يومئذٍ " خبراً و " للمجرمين " صفةً. والخبرُ إذا كان الاسمُ ليس مبنيَّاً لنفسِ " لا " بإجماع ".

قلت: قوله: " واحْتَمَلَ أَنْ يكونَ في نيةِ التنوينِ " إلى آخره لا يتأتَّىٰ إلاَّ على قولِ أبي إسحاقَ. وهو أنَّه يَرَىٰ أنَّ اسمَ " لا " النافيةِ للجنسِ معربٌ، ويَعْتَذِرُ عن حذفِ التنوينِ بكثرةِ الاستعمالِ، ويَسْتَدِلُّ عليه بالرجوعِ إليه في الضرورةِ. ويُنشِد:
3480ـ أَلا رجلاً جزاهُ اللهُ خيراً     ......................
ويتأَوَّلُه البصريون على إضمار: ألا تَرَوْنَني رجلاً. وكان يمكنُ الشيخُ أنْ يجعلَه معرباً ـ كما ادَّعى ـ بطريق أخرى: وهي أن يَجْعَلَ " بشرَى " عاملةً في " يومَئذٍ " أو في " للمجرمين " فيصيرُ من قبيلِ المُطَوَّل، والمُطوَّلُ معربٌ، لكنه لم يُلِمَّ بذلك. وسيأتي شيءٌ من هذا في كلام أبي البقاء رحمه الله. ويجوز أَن يكونَ " بُشرى " معرباً منصوباً بطريقٍ أخرى. وهي أن تكونَ منصوبةً بفعلٍ مقدرٍ أي: لا يُبَشَّرون بُشرَىٰ كقولِه تعالىٰ:لاَ مَرْحَباً بِهِمْ } [ص: 59]، " لا أهلا ولا سهلاً ". إلاَّ أنَّ كلامَ الشيخِ لا يمكنُ تنزيلهُ على هذا لقولهِ: " جاز أَنْ يكونَ " يومَئذٍ " و " للمجرمين " خبرين " فقد حكمَ أنَّ لها خبراً.

السابقالتالي
2