الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً }

قوله: { بِمَا تَقُولُونَ }: هذه الجملةُ من كلامِ اللهِ تعالىٰ اتفاقاً، فهي على إضمارِ القولِ والالتفاتِ. قال الزمخشري: " هذه المفاجأةُ بالاحتجاجِ والإِلزامِ حسنةٌ رائعةٌ، وخاصةً إذا انضمَّ إليها الالتفاتُ وحَذْفُ القولِ. ونحُوها قولُه عَزَّ وجَلَّيَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } [المائدة: 19] وقولُ القائل:
3478ـ قالوا خُراسانُ أَقْصى ما يُرادُ بنا     ثم القُفُوْلُ فقد جِئْنا خُرسانا
انتهى. يريد: أن الأصلَ في الآيةِ الكريمة: فقُلْنا: قد كَذَّبوكم، وفي البيت فقلنا: قد جِئْنا. والخطابُ في " كَذَّبوكم " للكفارِ، فالمعنىٰ: فقد كَذَّبكم المعبودون بما تقولون مِنْ أنَّهم أَضَلُّوكم. وقيل: المعنىٰ: فقد كَذَّبوكم فيما تقولون من الافتراءِ عليهم أنَّهم أَضَلُّوكم, وقيل: هو خطابٌ للمؤمنين في الدنيا أي: فقد كَذَّبكم أيَّها المؤمنون الكفارَ بما تقولون من التوحيدِ في الدنيا.

وقرأ أبو حيوة وقنبل في رواية ابن أبي الصلت عنه بالياءِ مِنْ تحتُ أي: فقد كَذَّبكم الآلهةُ بما يقولون { سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ } إلى آخِرِه. وقيل: المعنىٰ: فقد كَذَّبكم أيها المؤمنونَ الكفَّارُ بما يقولون من الافتراءِ عليكم.

قوله: { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ } قرأ حفص بتاءِ الخطاب والمرادُ عبادُها. والباقون بياءِ الغَيْبة. والمرادُ الآلهةُ التي كانوا يعبُدونها مِنْ عاقلٍ وغيرِه؛ ولذلك غَلَّب العاقَل فجيْءَ بواوِ الضميرِ.

قوله: { نُذِقْهُ } العامَّةُ بنونِ العظمةِ، وقرىء بالياءِ, وفي الفاعلِ وجهان، أظهرهُما: أنَّه اللهُ تعالىٰ لدلالةِ قراءةِ العامَّةِ على ذلك. والثاني: أنه ضميرُ الظلمِ المفهومِ من الفعل. وفيه تَجَوُّزُ بإسناد إذاقةِ العذابِ إلى سببِها وهو الظلمُ.