الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ }

قوله: { وَٱلْخَامِسَةُ }: اتفق السبعةُ على رفع الخامسة الأولى، واختلفوا في الثانية: فنصبها حفصٌ، ونَصَبهما معاً الحسنُ والسلمي وطلحة والأعمش. فالرفعُ على الابتداءِ، وما بعده مِنْ " أنَّ " وما في حَيِّزها الخبرُ. وأمَّا نصبُ الأولى فعلى قراءةِ مَنْ نصبٍ " أربعَ شهادات " يكون النصبُ للعطفِ على المنصوبِ قبلها. وعلى قراءةِ مَنْ رَفَعَ يكونُ النصبُ بفعلٍ مقدرٍ أي: ويَشْهَدُ الخامسةَ. وأمَّا نصبُ الثانيةِ فعطفٌ على ما قبلَها من المنصوبِ وهو " أربع شهادات ". والنصبُ هنا أقوىٰ منه في الأولىٰ لقوةِ النصبِ فيما قبلَها كما تقدَّم تقريرُه: ولذلك لم يُخْتَلَفْ فيه. وأمَّا " أنَّ " وما في حَيِّزها: فعلىٰ قراءةِ الرفعِ تكونُ في محلِّ رفعٍ خبراً للمبتدأ كما تقدَّم، وعلى قراءةِ النصبِ تكونُ على إسقاطِ الخافضِ، ويتعلَّقُ الخافضُ بذلك الناصبِ للخامسةِ أي: ويشهد الخامسةَ بأنَّ لعنةَ الله وبأنَّ غضبَ اللهِ. وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ بدلاً من الخامسة.

قوله: { أَنَّ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } قرأ العامَّةُ بتشديد " أنَّ " في الموضعين. وقرأ نافعٌ بتخفيفها في الموضعين، إلاَّ أنه يقرأ " غَضِبَ اللهُ " بجَعْلِ " غَضِبَ " فعلاً ماضياً، والجلالة فاعلَه. كذا نقل الشيخ عنه التخفيفَ في الأولى أيضاً، ولم ينقُلْه غيره. فعلى قراءتِه يكون اسمُ " أنْ " ضميرَ الشأنِ في الموضعين، و " لعنةُ الله " مبتدأ و " عليه " خبرُها. والجملةُ خبرُ " أنْ ". وفي الثانية يكون " غضِبَ الله " جملةً فعليةً في محل خبر " أنْ " أيضاً، ولكنه يقال: يلزمُكم أحدُ أَمْرَيْن، وهو إمَّا عَدَمُ الفصلِ بين المخففةِ والفعلِ الواقعِ خبراً، وإمَّا وقوعُ الطلبِ خبراً في هذا البابِ وهو ممتنعٌ. تقريرُ ذلك: أنَّ خبرَ المخففةِ متى كان فعلاً متصرفاً/ غير مقرونٍ بـ " قد " وَجَبَ الفصلُ بينهما. بما تقدَّم في سورة المائدة. فإنْ أُجيب بأنه دعاءٌ اعتُرِض بأنَّ الدعاءَ طلبٌ، وقد نَصُّوا على أنَّ الجملَ الطلبيةَ لا تقع خبراً لـ " إنَّ ". حتى تأوَّلوا قولَه:
3434ـ........................     إنَّ الرِّياضةَ لا تُنْصِبْك للشَّيْبِ
وقوله:
3435ـ إنَّ الذينَ قَتَلْتُمْ أمسِ سَيِّدَهُمْ     لا تَحْسَبوا ليلَهم عن ليلِكم ناما
على إضمارِ القول. ومثلُهأَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } [النمل: 8]. وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والسلميُّ وعيسى بتخفيف " أنْ و " غَضَبُ الله " بالرفع على الابتداء، والجارُّ بعدَه خبرُه. والجملةُ خبرُ " أنْ ".

وقال ابنُ عطية: " وأنْ الخفيفةُ على قراءة الرفعِ في قوله: " أَنْ غَضِبَ " وقد وليها الفعلُ. قال أبو علي: " وأهلُ العربيةِ يَسْتَقْبِحون أَنْ يليَها الفعلُ إلاَّ بأَنْ يُفْصل بينها وبينه بشيء نحو قولِهعَلِمَ أَن سَيَكُونُ } [المزمل: 20]أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ } [طه: 89] فأمَّا قولُه:وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ } [النجم: 39] فذلك لقلةِ تمكُّنِ " ليس " في الأفعال. وأمَّا قولُه: { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } فـ " بُوْرِكَ " في معنى الدعاء فلم يَجىءْ دخولُ الفاصلِ لئلا يَفْسُدَ المعنىٰ ". قلت: فظاهرُ هذا أنَّ " غَضِبَ " ليس دعاءً، بل هو خبرٌ عن " غَضَِبَ الله عليها " والظاهرُ أنه دعاءٌ، كما أنَّ " بُورك " كذلك. وليس المعنىٰ على الإِخبارِ فيهما فاعتراضُ أبي علي ومتابعةُ أبي محمد له ليسا بمَرْضِيَّيْنِ.