الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ }

قوله: { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ }: قال: الزمخشري: " أَدْخَلَ " قد " ليؤكِّد عِلْمَه بما هم عليه من المخالفةِ عن الدينِ والنفاق، ويرجع توكيدُ العلمِ إلى توكيدِ الوعيدِ: وذلك أنَّ " قد " إذا دَخَلَتْ على المضارعِ كانت بمعنى " رُبَّما " فوافَقَتْ " رُبَّما " في خروجِها إلى معنى التكثير في نحو قوله:
3469ـ فإنْ تُمْسِ مهجورَ الفِناءِ فرُبَّما     أقامَ به بعدَ الوُفودِ وُفودُ
ونحوٌ من ذلك قولُ زهير:
3470ـ أَخي ثقةٍ لا تُهْلِكُ الخمرُ مالَه     ولكنَّه قد يُهْلِكُ المالَ نائِلُهْ
قال الشيخ: " وكونُ " قد " إذا دَخَلَت على المضارعِ أفادَتِ التكثير قولٌ لبعضِ النحاةِ. وليس بصحيحٍ، وإنما التكثيرُ مفهومٌ من السِّياق. والصحيحُ: أنَّ " رُبَّ " للتقليلِ للشيءِ، أو لتقليلِ نظيرِه. وإنْ فُهِم تكثيرٌ فمِنْ السِّياقِ لا منها ".

{ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ } في " يوم " وجهان أحدُهما: أنه مفعولٌ به لا ظرفٌ لعطفِه على قولِه: { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } أي: يعلمُ الذي أنتم عليه مِنْ جميعِ أحوالِكم، ويَعْلَمُ يومَ يُرْجَعُون كقولِه: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ }. والثاني: أنه ظرفٌ لشيءٍ محذوف. قال ابن عطية: " ويجوزُ أَنْ يكونَ التقديرُ: والعلمُ الظاهرُ لكم ـ أو نحو هذا ـ يومَ، فيكونُ النصبُ على الظرفِ " انتهى.

وقرأ العامَّةُ " يُرْجَعون " مبنياً للمفعول. وأبو عمرو في آخرين مبنياً للفاعلِ. وعلى كلتا القراءتين فيجوزُ وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ في الكلامِ التفاتٌ من الخطابِ في قولِه: { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } إلى الغَيْبة في قوله: " يُرْجَعون ". والثاني: أنَّ " ما أنتم عليه " خطابٌ عامٌّ لكلِّ أحدٍ. والضميرُ في " يُرْجَعُون " للمنافقين خاصةً، فلا التفاتَ حينئذٍ.