الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

قوله: { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ }: فيه وجهان، أحدهما: أنه منصوبٌ على المصدرِ بدلاً من اللفظِ بفعلِه إذ أَصْلُ " أُقْسِمُ باللهِ جَهْدَ اليمين ": أُقْسِمُ بجَهْدِ اليمينِ جَهْداً، فَحُذِفَ الفعلُ وقُدِّمَ المصدرُ موضوعاً مَوْضِعَه مضافاً إلى المفعولِ كـَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } [محمد: 4]، قاله الزمخشري. والثاني أنه حالٌ تقديرُه: مجتهدين في أَيْمانِهم كقولِهم: أفعَلْ ذلك جَهْدَك وطاقَتَك. وقد خلَطَ الزمخشري الوجهين فجعلهما وجهاً واحداً فقال بعدَ ما قَدَّمْتُه عنه: " وحكمُ هذا المنصوبِ حكمُ الحالِ كأنه قيل: جاهدين أَيْمانَهم ". وقد تقدَّم الكلامُ علىجَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } [الآية: 53] في المائدة.

قوله: { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } في رفعِها ثلاثةُ أوجهٍ. أحدُها: أنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه: أمرُنا طاعةٌ أو المطلوبُ طاعةٌ. الثاني: أنها مبتدأٌ، والخبرُ محذوفٌ أي: أَمْثَلُ، أو أَوْلَىٰ. وقد تقدَّمَ أنَّ الخبرَ متى كان في الأصلِ مصدراً بدلاً من اللفظِ بفعلِه وَجَبَ حَذْفُ مبتدئِه كقولِه:صَبْرٌ جَمِيلٌ } [يوسف: 18] ولا يَبْرز إلاَّ اضطراراً كقوله:
3464ـ فقالَتْ على اسمِ اللهِ أَمرُك طاعةٌ     وإنْ كُنْتُ قد كُلِّفتُ ما لم أُعَوَّدِ
على خلافٍ في ذلك. والثالث: أَنْ تكونَ فاعلةً بفعلٍ محذوفٍ أي: ولْتَكُنْ طاعةٌ ولْتُوْجَدْ طاعةٌ. واستُضْعِفَ ذلك: بأنَّ الفعلَ لا يُحْذَفُ إلاَّ إذا تَقَدَّم مُشْعِرٌ به كقوله: { يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ رِجَالٌ } [النور: 36]./ في قراءةِ مَنْ بناه للمفعولِ أي: يُسَبِّحه رجالٌ أو يُجاب به نَفْيٌ كقولِكَ: " بلى زيدٌ " لمَنْ قال: لم يقم أحدٌ، أو استفهامٌ كقوله:
3465ـ ألا هَلْ أتىٰ أمَّ الحُوَيْرِثِ مُرْسَلٌ     بلى خالد إنْ لم تُعِقْه العَوائقُ
والعامَّةُ على رفعِ " طاعةٌ " على ما تقدَّم. وزيد بن علي واليزيديُّ على نَصبِها بفعلٍ مضمرٍ، وهو الأصلُ. قال أبو البقاء " ولو قُرِىء بالنصبِ لكانَ جائزاً في العربية، وذلك على المصدرِ أي: أَطِيْعوا طاعةً وقولوا قولاً. وقد دَلَّ عليه قولُه تعالىٰ بعدَها { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ }. قلت ما وَدَّ أن يُقرأَ به قد قُرِىء به كما تقدَّم نَقْلُه. وأمَّا قولُه: و { قُولُواْ قَوْلاً } فكأنه سَبَق لِسانُه إلى آية القتال وهي:فَأَوْلَىٰ لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } [محمد: 21] ولكن النصبَ هناك ممتنعٌ أو بعيدٌ.