قوله: { بَيْنَهُ }: إنما دخلَتْ " بينَ " على مفردٍ وهي إنما تَدْخُلُ على المثَّنى فما فوقَه لأنه: إمَّا أَنْ يُرادَ بالسحاب الجنسُ فعاد الضميرُ عليه على حكمِه، وإمَّا أَنْ يُرادَ حَذْفُ مضافٍ أي: بين قِطَعِه، فإنَّ كلَّ قطعةٍ سَحابةٌ. قوله: { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } تقدَّم الخلافُ في " خِلال " هل هو مفرد كحِجاب أم جمعٌ كجِبال جمع جَبَل؟ ويؤيِّد الأولَ قراءةُ ابنِ مسعودٍ والضحاكِ، ويُرْوَىٰ عن أبي عمروٍ أيضاً " مِنْ خَلَلِه " بالإِفرادِ. والوَدْقُ قيلأ: هو المطرُ ضعيفاً كان أوشديداً. قال:
3452ـ فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها
ولا أرضَ أَبْقَلَ إبْقالَها
وقيل: هو البَرْقُ. وأَنْشد:
3453ـ أَثَرْنَ عَجاجةً وخَرَجْنَ منها
خُروج الوَدْقِ مِنْ خَلَلِ السَّحابِ
والوَدْقُ في الأصل: مصدرٌ يقال: وَدَقَ السحابُ يَدِقُ وَدْقاً و " يَخْرجُ " حالٌ لأنها بَصَرية. قوله: { مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } " مِن " الأولى لابتداء الغايةِ اتفاقاً. وأمَّا الثانيةُ ففيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنها لابتداءِ الغايةِ أيضاً فهي ومجرورُها بدلٌ من الأولى بإعادة العامِل. والتقدير: ويُنَزِّلُ من جبالِ السماءِ أي: من جبالٍ فيها، فهو بدل اشتمالٍ. الثاني: أنها للتبعيض، قاله الزمخشري وابنُ عطية. فعلى هذا هي ومجرُورها في موضعِ مفعولِ الإِنزالِ كأنه قال: ويُنَزِّل بعضَ جبالٍ. الثالثَ: أنها زائدة أي: يُنَزِّل من السماءِ جبالاً. وقال الحوفيُّ: " مِنْ جبال بدلٌ مِن الأُولى ". ثم قال: " وهي للتبعيضِ ". ورَدَّه الشيخُ: بأنه لا تَسْتَقيم البدليَّةُ إلا بترافقهما معنىً. لو قلت: " خَرَجْتُ من بغدادَ من الكَرْخِ " لم تكنِ الأولى والثانية إلاَّ لابتداءِ الغاية. وأمَّا الثالثة ففيها أربعةُ أوجهٍ: الثلاثةُ المتقدمةُ. والرابع: أنها لبيانِ الجنسِ. قاله الحوفي والزمخشري، فيكون التقديرُ على قولِهما: ويُنَزِّل من السماء بعضَ جبالٍ التي هي البَرَدُ، فالمُنَزَّل بَرَدٌ لأنَّ بعضَ البَرَدِ بَرَدٌ. ومفعولُ " يُنَزِّلُ " هو " مِنْ جبال " كما تقدَّمَ تقريرُه. وقال الزمخشري: " أو الأَوْلَيان للابتداء، والثالثةُ للتبعيض " قلت: يعني أن الثانيةَ بدلٌ من الأولى كما تقدَّم تقريرُه، وحنيئذ يكون مفعول " يُنَزِّل " هو الثالثةَ مع مجرورها تقديرُه: ويُنَزِّلُ بعضَ بردٍ من السماء مِنْ جبالِها. وإذا قيل: بأنَّ الثانيةَ والثالثةَ زائدتان فهل مجرورُهما في محلِّ نصبٍ، والثاني بدلٌ من الأول، والتقدير: ويُنَزِّلُ من السماء جبالاً بَرَداً، وهو بدلُ كلٍ مِنْ كلٍ، أو بعضٍ مِنْ كلٍ، أو الثاني في محلِّ نصبٍ مفعولاً لـ " يُنَزِّل " ، والثالثُ في محل رفعٍ على الابتداء، وخبرُه الجارُّ قبلَه؟ خلافٌ. الأولُ قولُ الأخفشِ، والثاني قولُ الفراءِ. وتكون الجملةُ على قولِ الفراءِ صفةً لـ " جبال " ، فيُحْكَمُ على موضعِها بالجرِّ اعتباراً باللفظِ، أو بالنصبِ اعتباراً بالمَحَلِّ.