الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ }

قوله: { أَوْ كَظُلُمَاتٍ }: فيه: أوجهٌ، أحدها: أنه نَسَقٌ على " كسَراب " ، على حَذْفِ مضافٍ واحدٍ تقديرُه: أو كذي ظُلُمات. ودَلَّ على هذا المضافِ قولُه: { إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } فالكنايةُ تعودُ إلى المضافِ المحذوفِ وهو قولُ أبي عليّ. الثاني: أنه على حَذْفِ مضافين تقديرُهما: أو كأعمال ذي ظلمات، فتُقَدِّر " ذي " ليصِحَّ عَوْدُ الضميرِ إليه في قوله: { إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ } ، وتُقَدِّر " أعمال " ليَصِحَّ تشبيهُ أعمالِ الكفارِ بأعمالِ صاحبِ الظُلْمَةِ، إذ لا معنى لتشبيهِ العملِ بصاحبِ الظُّلْمةِ. الثالث: أنه لا حاجةَ إلى حَذْفٍ البتة. والمعنىٰ: أنه شَبَّه أعمالَ الكفارَ في حَيْلولَتِها بين القلبِ وما يَهْتدي به بالظُّلْمة. وأمَّا الضميران في " أَخْرج يَده " فيعودان على محذوفٍ دَلَّ عليه المعنىٰ أي: إذا أخرج يَدَه مَنْ فيها.

و " أو " هنا للتنويعِ لا للشَّكِّ. وقيل: بل هي للتخييرِ أي: شَبَّهوا أعمالَهم بهذا أو بهذا.

وقرأ سفيان بن حسين " أوَ كظٌلُمات " بفتح الواو، جَعَلها عاطفةً دَخَلَتْ عليها همزةُ الاستفهام الذي معناه التقريرُ. وقد تَقدَّم ذلك في قولِه:أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } [الأعراف: 98].

قوله: { فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ }: " في بحرٍ " صفةٌ لظلمات فيتعلَّقُ بمحذوفٍ. واللُّجِّيُّ منسوبٌ إلى اللُّجِّ وهو معظمُ البحرِ. كذا قال الزمخشري. وقال غيرُه: منسوبٌ إلى اللُجَّة بالتاء وهي أيضاً مُعْظمه، فاللجِّيُّ هو العميقُ الكثيرُ الماءِ.

قوله: { يَغْشَاهُ مَوْجٌ } صفةٌ أخرىٰ لـ " بَحْرٍ " هذا إذا أَعَدْنا الضميرَ في " يَغْشاه " على " بحرٍ " وهو الظاهر. وإنْ قدَّرنا مضافاً محذوفاً أي: أو كذي ظُلُمات ـ كما فَعَل بعضُهم ـ كان الضمير في " يَغْشاه " عائداً عليه، وكانت الجملةُ حالاً منه لتخصُّصِه بالإِضافة، أو صفةً له.

قوله: { مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } يجوزُ أَنْ تكونَ هذه جملةً مِنْ مبتدأ وخبر، صفةً لـ " موجٌ " الأول. ويجوزُ أن يُجْعَلَ الوصفُ الجارَّ والمجرورَ فقط و " مَوْجٌ " فاعلٌ به لاعتمادهِ على الموصوفِ.

قوله: { مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ } فيه الوجهان المذكوران قبلَه: من كونِ الجملةِ صفةً لـ " موج " الثاني، أو الجارِّ فقط.

قوله: { ظُلُمَاتٌ } قرأ العامَّةُ بالرفع وفيه وجهان، أجودُهما: أن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه: هذه، أو تلك ظلمات. الثاني: أَنْ يكونَ " ظُلُمات " مبتدأً. والجملةُ من قولِه " بعضُها فوقَ بعض " خبرُه. ذكره الحوفي. وفيه نظرٌ لأنَّه لا مُسَوِّغ للابتداء بهذه النكرةِ، اللَّهم إلاَّ أَنْ يُقالَ: إنها موصوفةً تقديراً، أي: ظلماتٌ كثيرةٌ متكاثفةٌ, كقولهم: " السَّمْنُ مَنَوَانِ بدرهم ".

وقرأ ابن كثير " ظلماتٍ " بالجرِّ إلاَّ أنَّ البزيَّ روىٰ عنه حينئذٍ حَذْفَ التنوينِ من " سَحاب " ، فقرأ البزي عنه " سحابُ ظلماتٍ " بإضافة " سَحابُ " لـ " ظلمات ".

السابقالتالي
2 3