الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ }

قوله: { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ }: " إذْ " منصوبٌ بـ " مَسَّكُمْ " أو بـ " أَفَضْتُمْ ". وقرأ العامَّةُ " تَلَقَّوْنه ". والأصلُ: تَتَلَقَّوْنه فحُذِفَتْ إحدىٰ التاءَيْن كـتَنَزَّلُ } [القدر: 4] ونحوه. ومعناه: يتلقَّاه بعضُكم من بعض. والبزيُّ على أصله: في أنه يُشَدِّد التاءَ وصلاً. وقد تقدَّم تحقيقُه في البقرة نحووَلاَ تَيَمَّمُواْ } [البقرة: 267] وهو هناك سَهَّلَ لأنَّ ما قبله حرفُ لِيْنٍ بخلافِه هنا. وأبو عمرو والكسائي وحمزةُ على أصولِهم في إدغامِ الذالِ في التاء. وقرأ أُبَيّ " تَتَلَقَّوْنَه " بتاءين، وتقدَّم أنها الأصلُ. وقرأ ابن السميفع في روايةٍ عنه " تُلْقُوْنَه " بضمِّ التاءِ وسكونِ اللام وضمِّ القافِ مضارِعَ " ألقىٰ " إلقاءً. وقرأ هو في روايةٍ أخرىٰ " تَلْقَوْنه " بفتح التاءٍ وسكونِ/ اللامِ وفتحِ القاف مضارع لَقِيَ.

وقرأ ابنُ عباس وعائشةُ وعيسى وابنُ يعمر وزيد بن علي بفتحِ التاءِ وكسرِ اللامِ وضَمِّ القافِ مِنْ وَلَقَ الرجلُ إذا كَذِبَ. قال ابن سيده: " جاؤوا بالمتعدي شاهداً على غير المتعدي. وعندي أنه أراد تَلِقُوْن فيه فحذف الحرف ووصل الفعلُ للضمير ". يعني أنهم جاؤوا بـ " تَلِقُوْنه " وهو متعدٍ مُفَسَّراً بـ " تُكذِّبون " وهو غيرُ متعد ثم حَمَّله ما ذكر. وقال الطبري وغيره: " إن هذه اللفظةَ مأخوذةٌ من الوَلْقِ وهو الإِسراعُ بالشيءِ بعد الشيءِ كعَدْوٍ في إثْرِ عَدْوٍ وكلامٍ في إثرِ كلامٍ يُقال: وَلَقَ في سَيْرِه أي: أسرع وأنشد:
3436ـ جاءَتْ به عَنْسٌ من الشَّأْمِ تَلِقْ   
وقال أبو البقاء: أي: تُسْرعون فيه. وأصله من الوَلْقِ وهو الجنون ".

وقرأ زيد بن أسلم وأبو جعفر " تَأْلِقُوْنه " بفتح التاء وهمزةٍ ساكنةٍ ولامٍ مكسورةٍ وقافٍ مضمومةٍ من الأَلْقِ وهو الكذبُ. وقرأ يعقوب " تِيْلَقُوْنه " بكسر التاءِ من فوقُ، بعدها ياءٌ ساكنةٌ ولامٌ مفتوحةٌ وقافٌ مضمومةٌ، وهو مضارع وَلِق بكسر اللامِ كما قالوا يِْيجَلُ مضارعَ وجِل.

وقوله: { بِأَفْوَاهِكُمْ } كقوله:يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم } [آل عمران: 167] وقد تقدَّم.