الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }

قوله: { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ }: هذه الجملةُ خبرُ " إنَّ الذين ". وقرأ الأعمش " إنهم " بالكسرِ على الاستئنافِ فالوقفُ على " وَجِلة " تامٌّ أو كافٍ. وقرأ الحُرُّ " يُسْرِعُون " منْ أَسْرع. قال الزجاج: " يُسارِعُون أَبْلَغُ " يعني من حيث إنَّ المفاعَلة تَدُلُّ على قوةِ الفعلِ لأجلِ المغالبةِ.

قوله: { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } في الضمير في " لها " أوجهٌ، أظهرها: أنَّه يعودُ على " الخيرات " لتقدُّمِها في اللفظ. وقيل: يعودُ على الجنة. وقيل: على السعادة. وقيل: على الأمم,. والظاهرُ أنَّ " سابقون " هو الخبرُ. و " لها " متعلقٌ به قُدِّمَ للفاصلةِ وللاختصاصِ. واللامُ قيل: بمعنى إلى. يقال: سَبَقْتُ له وإليه بمعنىً. ومفعولُ " سابقون " محذوفٌ تقديرُه: سابقون الناسَ إليها. وقيل: اللامُ للتعليل أي: سابِقُون الناسَ لأجلِها. وتكونُ هذه الجملةُ مؤكدةً للجملةِ قبلها، وهي " يُسارِعُون في الخيرات " ولأنها تفيدُ معنىً آخرَ وهو الثبوتُ والاستقرارُ بعدما دَلَّتِ الأولى على التجدد.

وقال الزمخشري: " أي فاعلون السَّبْقِ لأجلها أو سابقونَ الناسَ لأجلها ". قال الشيخ: " وهذان القولان عندي واحدٌ ". قلت: ليسا بواحدٍ إذ مرادُه بالتقدير الأول أَنْ لا يُقَدَّرَ للسَّبْقِ مفعولٌ البتةَ، وإنما الغرضُ الإِعلامُ بوقوعِ السَّبْقِ منهم غيرِ نَظَرٍ إلى مَنْ سَبقوه كقولِه:يُحْيِـي وَيُمِيتُ } [البقرة: 258]وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } [البقرة: 187] " يعطي ويمنع " وغرضُه في الثاني تقديرُ مفعولٍ حُذِف للدلالةِ، واللام للعلة في التقديرين.

وقال الزمخشري أيضاً: " أو إياها سابقون أي: ينالونها قبل الآخرة، حيث عُجِّلت لهم في الدنيا ". قلت: يعني أنَّ " لها " هو المفعولُ بـ " سابقون " وتكون اللامُ قد زِيْدَتْ في المفعولِ. وحَسَّن زيادتَها شيئان،/ كلٌّ منهما لو انفرد لاقتضىٰ الجوازَ: كونُ العاملِ فرعاً، وكونُه مقدَّماً عليه معمولُه. قال الشيخ: " ولا يَدُل لفظُ " لها سابِقُون " على هذا التفسيرِ لأنَّ سَبْقَ الشيءِ الشيءَ يدلُّ على تقدُّمِ السابقِ على المسبوقِ فكيفَ يقول: وهم يَسْبقون الخيراتِ؟ وهذا لا يَصِحُّ ". قلت: ولا أَدْري: عدمُ الصحةِ من أيِّ جهةٍ؟ وكأنه تخيَّل أنَّ السابِقَ يتقدَّم على المسبوق فكيف يتلاقيان؟ لكنه كان ينبغي أن يقولَ: فكيف يقول: وهم ينالون الخيرات وهم لا يُجامِعُونها لتقدُّمهم عليها؟ إلاَّ أنْ يكونَ قد سبقه القلمُ فكَتَبَ بدل " وهم يَنالون ": " وهم يَسْبِقون " ، وعلى كلِّ تقديرٍ فأين عَدَمُ الصِّحة؟.

وقال الزمخشري أيضاً: " ويجوز أَنْ يكونَ " وهم لها سابقون " خبراً بعد خبرٍ، ومعنىٰ " وهم لها " كمعنىٰ قوله:
3420ـ أنت لها أحمدُ مِنْ بينِ البَشَرْ   
يعني أنَّ هذا الوصفَ الذي وَصَفَ به الصالحين غيرُ خارجٍ من حَدِّ الوُسْعِ والطاقةِ ". فتحصَّل في اللامِ ثلاثةُ أقوالٍ، أحدُها: أنَّها بمعنىٰ " إلى ". الثاني: أنها للتعليلِ على بابِها. الثالث: أنَّها مزيدةٌ. وفي خبرِ المبتدأ قولان، أحدُهما: أنه " سابِقون " وهو الظاهرُ. والثاني: أنه الجارُّ كقولِه:
ـ أنت لها أحمدُ مِنْ بينِ البَشَرْ   
وقد رجَّحه الطبريُّ، وهو مرويٌّ عن ابنِ عباس.