الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله: { غُثَآءً }: مفعولٌ ثانٍ للجَعْل بمعنى التصيير. والغُثاء: قيل هو الجُفاء وقد تقدَّم في الرعد. قاله الأخفش. وقال الزجاج: " هو البالي مِنْ ورق الشجر، إذا جَرَىٰ السيلُ خالَطَ زَبَدَه ". وقيل: كل ما يُلْقيه السَّيْلُ والقِدْرُ مِمَّا لا يُنْتَفَعُ به، وبه يُضْرَبُ المَثَلُ في ذلك. ولامُه واوٌ لأنه مِنْ غثا الوادي يَغْثُو غَثْوَاً وكذلك غَثَت القِدْرُ. وأمَّا غَثِيَتْ نفسُه تَغْثِي غَثَياناً أي: خَبُثَتْ فهو قريبٌ مِنْ معناه، ولكنه مِنْ مادة الياء. وتُشَدَّدُ ثاء " الغُثَّاء " وتُخَفَّفُ وقد جُمع على " أَغْثاء " وهو شاذُّ، بل كان قياسُه أن يُجْمَعَ على أَغْثِيَة كأَغْرِبة، أو على غِثْيان كغِرْبان وغِلْمان. وأنشدوا لامرىء القيس:
3417ـ.....................     من السَّيْلِ والغُثَّاءِ فَلْكَةُ مُغْزَلِ
بتشديد الثاء وتخفيفها والجمع أي: والأَغْثاء.

قوله: { فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ }: بُعْداً: مصدرٌ بَدَلٌ من اللفظِ بفعلِه، فناصبُه واجبُ الإِضمارِ لأنَّه بمعنى الدعاءِ عليهم. والأصلُ: بَعُدَ بُعْدَاً وبَعَداً نحو: رَشَدَ رُشْداً ورَشَداً. وفي هذه اللامِ قولان أحدُهما: وهو الظاهرُ أنَّها متعلقةٌ بمحذوفٍ للبيانِ كهي في سَقْياً له وجَدْعاً له. قاله الزمخشري. الثاني: أنها متعلقةٌ بـ بُعْداً. قاله الحوفي. وهذا مردودٌ؛/ لأنه لا يُحْفَظُ حَذْفُ هذه اللامِ ووصولُ المصدرِ إلى مجرورِها البتةَ، ولذلك منعوا الاشتغالَ في قولِهوَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } [محمد: 8] لأنَّ اللام لا تتعلَّقُ بـ " تَعْساً " بل بمحذوفٍ، وإن كان الزمخشريُّ جَوَّزَ ذلك، وسيأتي في موضِعه إنْ شاءَ الله تعالىٰ.