قوله: { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ }: قال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: حَقُّ " أَرْسَلَ " أَنْ يَتَعَدَّى بـ " إلى " كأخواتِه التي هي: وَجَّه وأنفذ وبَعَثَ، فما بالُه عُدِّي في القرآن بـ إلى تارة وبـ في أخرىٰ كقوله{ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ } [الرعد: 30]؟ قلت: لم يُعَدَّ بـ " في " كما عُدِّي بـ " إلى " ولم يجعَلْه صلةً مثلَه، ولكن الأُمَّةَ أو القريةَ جُعِلَتْ مَوْضِعاً للإِرسالِ كقولِ رُؤْبة:
3412ـ أرسلْتَ فيها مُصْعباً ذا إقحامِ
وقد جاء " بعث " على ذلك كقولِه تعالىٰ:{ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } [الفرقان: 51]. قوله: { أَنِ ٱعْبُدُواْ } يجوز أَنْ تكونَ المصدريةَ أي: أَرْسَلْناه بأَنِ اعبدوا أي: بقوله اعبدوا، وأَنْ تكونَ مفسِّرةً. قال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: ذَكَر مقالةَ هود في جوابه في سورةِ الأعراف، وسورة هود، بغير واو:{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } [الأعراف: 66]{ قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } [هود: 53] وههنا مع الواوِ فأيُّ فَرْقٍ بينهما؟ قلت: الذي بغيرِ واوٍ على تقديرِ سؤالِ سائلٍ: قال: فماذا قيل له؟ فقيل له: قالوا: كيتَ وكيتَ. وأمَّا الذي مع الواو فَعَطْفٌ لِما قالوه على ما قاله، ومعناه أنه اجتمع في الحصول: هذا الحقُّ وهذا الباطلُ، وشتان ما بينهما ". قلت: ولقائلٍ أَنْ يقولَ: هذا جوابٌ بنفس الواقعِ، والسؤالُ باقٍ/؛ إذ يَحْسُنُ أن يُقال: لِمَ لا يُجْعَلْ هنا قولُهم أيضاً جوباً لسؤالِ سائلٍ كما في نظيرتَيْها لو عكس الأمر؟.