قوله: { حَقَّ جِهَادِهِ }: يجوزُ أَنْ يكونَ منصوباً على المصدرِ. وهو واضح. وقال أبو البقاء: " ويجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ أي: جهاداً حَقَّ جهادِه " وفيه نظر من حيث إنَّ هذا معرفةٌ فكيف يُجعل صفةً لنكرةِ؟ قال الزمخشريُّ: " فإنْ قلتَ: ما وَجْهُ هذه الإِضافةِ، وكان القياسُ حَقَّ الجهادِ فيه، أو حَقَّ جهادِكم فيه. كما قال: { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ }؟ قلت: إلإِضافةُ تكون بأَدْنىٰ ملابسةٍ واختصاصٍ، فلمَّا كان الجهادُ/ مختصاً بالله من حيث إنه مفعولٌ من أجلِه ولوجهِه صحَّتْ إضافتُه إليه. ويجوز أن يُتَّسَعَ في الظرف كقولِه:
3400ـ ويومٍ شَهِدْناه سُلَيْمىٰ وعامِراً
.......................
يعني بالظرفِ الجارَّ والمجرورَ، كأنه كان الأصلُ: حَقَّ جهادٍ فيه، فحذف حرفَ الجرِّ وأُضيف المصدرُ للضميرِ، وهو من باب " هو حقُّ عالم وجِدُّ عالم " أي: عالِمٌّ حقاً وعالِمٌ جدَّاً. قوله: { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ } فيه أوجهٌ أحدُها: أنها منصوبةٌ بـ " اتَّبِعوا " مضمراً قاله الحوفي، وتبعه أبو البقاء. الثاني: أنها علىٰ الاختصاصِ أي: أعني بالدين ملةَ أبيكم. الثالث: أنها منصوبةٌ بما تقدَّمها، كأنه قال: وَسَّع دينَكم تَوْسِعَةً ملَّةِ أبيكم، ثم حُذِف المضافُ، وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه. قاله الزمخشري. الرابع: أنه منصوبٌ بـ " جَعَلها " مُقَدراً، قاله ابن عطية. الخامس: أنها منصوبةٌ على حَذْف كافِ الجرِّ أي كملَّةِ إبراهيمَ، قاله الفراء. وقال أبو البقاء قريباً منه. فإنه قال: " وقيل: تقديرُه: مثلَ ملةِ؛ لأن المعنىٰ: سَهَّل عليكم الدينَ مثلَ ملةِ أبيكم، فَحُذِفَ المضافُ وأُقيم المضافُ إليه مُقامه ". وأَظْهَرُ هذه الثالثُ. و " إبراهيم " بدلٌ أو بيانٌ، أو منصوبٌ بأَعْني. قوله: { هُوَ سَمَّاكُمُ } في هذا الضميرِ قولان، أحدهما: أنه عائدٌ على " إبراهيم " فإنه أقربُ مذكورٍ. إلاَّ أنَّ ابنَ عطيةَ قال: " وفي هذه اللفظةِ ـ يعني قولَه " وفي هذا " ـ ضَعْفُ قَوْلِ مَنْ قال: الضمير لإِبراهيم. ولا يَتَوَجَّه إلاَّ بتقديرِ محذوفٍ من الكلامِ مستأنفٍ " انتهىٰ. ومعنى " ضَعْف قولِ مَنْ قال بذلك " أنَّ قوله " وفي هذا " عطفٌ على " مِنْ قبلُ " ، و " هذا " إشارةٌ إلى القرآن المشارَ إليه إنما نزل بعد إبراهيم بمُدَدٍ طِوالٍ؛ فلذلك ضَعُفَ قولُه. وقوله: " إلاَّ بتقديرِ محذوفٍ " الذي ينبغي أَنْ يقدَّرَ: وسُمِّيْتُم في هذا القرآن المسلمين. وقال أبو البقاء: " قيل الضميرُ لإِبراهيم، فعلى هذا الوجهِ يكونُ قولُه " وفي هذا " أي: وفي هذا القرآن سببُ تسميتِهم ". والثاني: أنه عائدٌ على اللهِ تعالىٰ ويَدُلُّ له قراءةُ أُبَيّ: " الله سَمَّاكم " بصريح الجلالةِ أي: سَمَّاكم في الكتبِ السالفةِ وفي هذا القرآنِ الكريمِ أيضاً. قوله: { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ } متعلقٌ بسَمَّاكم. وقوله: { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } أي: اللهُ. وحَسَّن حذفَ المخصوصِ وقوعُ الثاني رأسَ آيةٍ وفاصلةٍ.