الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ }

قوله: { ضُرِبَ مَثَلٌ }: قال الأخفش: " ليس هنا مَثَلٌ، وإنما المعنىٰ: جَعَلَ الكفارُ للهِ مثلاً " وقال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: الذي جاء به ليس مَثَلاً فكيف سَمَّاه مَثَلاً؟ قلت: قد سُمِّيَتِ الصفةُ والقصةُ الرائعةُ المتلقَّاةُ بالاستحسانِ والاستغرابِ مثلاً؛ تشبيهاً لها ببعض الأمثالِ المسيَّرةِ لكونِها مستغربةً مستحْسنةً ". وقال غيره: هو مَثَلٌ " من حيث المعنىٰ؛ لأنه ضُرِب مثلُ مَنْ يعبد الأصنامَ بمن يعبد ما لا يخلقُ ذُباباً ".

وقرأ العامَّةُ " تَدْعُون " بتاء الخطاب. والحسن ويعقوب وهارون ومحبوب عن أبي عمرو بالياء من تحت. وهو في كلتيهما مبنيٌّ للفاعل. وموسى الأسواري واليماني: " يُدْعَوْن " بالياء مِنْ أسفلُ مبنياً للمفعول.

قوله: { لَن يَخْلُقُواْ } جعل الزمخشري نَفْي " لن " للتأبيد وقد تقدَّم البحث معه في ذلك. والذبابُ معروفٌ. ويُجمع على ذِبَّان وذُبَّان بكسر الذال وضمِّها وعلى ذُبّ. والمِذَبَّة ما يُطْرَدُ بها الذبابُ. وهو اسمُ جنسٍ واحدتُه ذُبابة، يقع للمذكورِ والمؤنثِ فيفرَّقُ بالوصف.

قوله: { وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } قال الزمخشري: " نصبٌ على الحالِ كأنه قال: يَسْتحيل خَلْقُهم الذبابَ مشروطاً [عليهم] اجتماعُهم جميعاً لخَلْقِه وتعاونُهم عليه " وقد تقدم غيرَ مرة أنَّ هذه الواوَ عاطفةٌ هذه الجملةَ الحاليةَ على حال محذوفةٍ أي: انتفىٰ خَلْقُهم الذبابَ على كلِّ حال، ولو في هذه الحالِ المقتضيةِ لخَلْقِهِم لأجلِ الذباب، أو لأجلِ الصنَمِ.

والسَّلْبُ: اختطافُ الشيءِ بسرعة. يُقال: سَلَبَه نِعْمَتَه. والسلَبُ: ما على القتيل. وفي الحديث: " مَنْ قتل قتيلاً فله سَلَبُه " والاستنقاذ: استفعالٌ بمعنى الإفعال يقال: أنقذه مِنْ كذا أي: أنجاه منه، وخَلَّصه. ومثله أَبَلَّ المريضُ واسْتَبَلَّ, وقوله: " ضَعُفَ الطالبُ " قيل هو إخبار. وقيل: هو تعجُّبٌ والأولُ أظهرُ.