الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }

قوله: { هُمْ نَاسِكُوهُ }: هذه الجملةُ صفةٌ لـ مَنْسَكاً. وقد تقدَّم أنه يُقْرَأُ بالفتح والكسر. وتقدَّم الخلافُ فيه: هل هو مصدرٌ أو مكانٌ؟ وقال ابنُ عطية: " ناسِكوه يُعطي أنَّ المَنْسَك المصدرُ، ولو كان مكاناً لقال: ناسِكون فيه " يعني أنَّ الفعلَ لا يَتَعَدَّىٰ إلى ضمير الظرفِ إلاَّ بواسطةِ " في ". وما قاله غيرُ لازمٍ؛ لأنه قد يُتَّسع في الظرف فيجري مَجْرَىٰ المفعولِ به، فيصِلُ الفعلُ إلى ضميرِه بنفسه، وكذا ما عَمِلَ عَمَلَ الفعل. ومن الاتِّساع في ظرفِ الزمان قوله:
3398ـ ويومٍ شَهِدْنَاه سُلَيْمَى وعامراً     قليلٍ سوى الطَّعْنِ النِّهالِ نوافِلُهْ
ومن الاِّتساع في ظرفِ المكان قولُه:
3399ـ ومَشْرَبٍ أَشْرَبُه وَشِيْلِ     لا أَجِنِ الطَّعْمِ ولا وَبِيْلِ
يريد: أشرب فيه.

قوله: { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ } وقُرِىء بالنون الخفيفة. وقرأ أبو مجلز: " فلا يَنْزِعُنَّك " مِنْ كذا أي: قَلَعْتُه منه. وقال الزجاج: " هو مِنْ نازَعْتُه فَنَزَعْته أنْزَعُه أي: غَلَبْتُهُ في المنازَعَة ". ومجيءُ هذهِ الآيةِ كقولِه تعالىٰ: { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا } وقولهم: لا أُرَيَنَّك ههنا. وهنا جاء قولُه { لِّكُلِّ أُمَّةٍ } من غير واوٍ عطفٍ، بخلافِ ما تَقَدَّم مِنْ نظيرتِها فإنها بواوِ عطفٍ. قال الزمخشري: " لأنَّ " تلك " وَقَعَتْ مع ما يُدانيها ويناسِبُها من الآيِ الواردةِ في أمر النسائِكِ، فَعُطِفَتْ على أخواتها، وأمَّا هذه فواقعةٌ مع أباعدَ مِنْ معناها فلم تجد مَعْطَفاً.