الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }

قوله: { فَتُصْبِحُ }: فيه قولان، أحدهما: أنه مضارعٌ لفظاً ماضٍ معنىٰ، تقديرُه فأصبحَتْ، فهو عطفٌ على أَنْزَل. قاله أبو البقاء. ثم قال بعد أن عطف على " أَنْزل ": " فلا موضعَ له إذن " وهو كلامٌ متهافِتٌ؛ لأنَّ عَطْفَه على " أَنْزَلَ " يَقْتضي أن يكونَ له محلٌّ من الإِعرابِ: وهو الرفعُ خبراً لـ " أنَّ " ، لكنه لا يجوزُ لعدم الرابطِ. والثاني: أنه على بابِه، ورَفْعُه على الاستئنافِ. قال/ أبو البقاء: " فهي أي القصة، وتُصْبِحُ الخبر ". قلت: ولا حاجةَ إلى تقديرِ مبتدأ، بل هذه جملةٌ فعليةٌ مستأنفةٌ، ولا سيما وقَدَّر المبتدأ ضميرَ القصة ثم حذفه وهو لا يجوز؛ لأنه لا يُؤْتىٰ بضميرِ القصة إلاَّ للتأكيدِ والتعظيم، والحذفُ يُنافيه.

قال الزمخشري: " فإن قلتَ: هلا قيل: فَأَصْبحت، ولِمَ صُرِفَ إلى لفظِ المضارع؟ قلت: لنكتةٍ فيه: وهي إفادةُ بقاءِ أثرِ المطرِ زماناً بعد زمانٍ كما تقول: أنعم عليَّ فلانٌ عامَ كذا فأرُوْح وأَغْدوا شاكراً له. ولو قلت: رُحْتُ وغَدَوْتُ لم يَقَعْ ذلك الموقعَ. فإن قلت: فما له رُفِعَ ولم يُنْصَبْ جواباً للاستفهام؟ قلت: لو نُصِب لأعطى عكسَ الغرضِ لأنَّ معناه إثباتُ الاخضرارِ، فينقلبُ بالنصب إلى نفي الاخضرار. مثالُه أن تقولَ لصاحبِك: ألم تَرَ أني أنعمتُ عليك فتشكر " إن نَصَبْتَ فأنتَ نافٍ لشكره شاكٍ تفريطَه [فيه]، وإن رَفَعْتَه فأنت مُثْبِتٌ للشكرِ، وهذا وأمثالُه ممَّا يجب أَنْ يَرْغَبَ له من اتَّسم بالعلم في علم الإِعراب وتوقير أهله ". وقال ابنُ عطية: " قوله: " فتصبحُ " بمنزلة قوله فتضحى أو تصير، عبارةٌ عن استعجالِها إثْرَ نزولِ الماءِ واستمرارها لذلك عادةً. ورَفْعُ قولِه " فتُصْبِحُ " من حيث الآيةُ خبرٌ، والفاء عاطفةٌ وليسَتْ بجواب، لأنَّ كونَها جواباً لقوله: { أَلَمْ تَرَ } فاسدُ المعنىٰ ".

قال الشيخ: " ولم يبين هو ولا الزمخشري قبله كيف يكون النصبُ نافياً للاخضرار، إلاَّ كونَ المعنى فاسداً؟ قال سيبويه: " وسألتُه ـ يعني الخليل ـ عن { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً } فقال: هذا واجبٌ وتنبيه. كأنك قلت: أتسمعُ أنزل اللهُ من السماءِ ماء فكان كذا وكذا ". قال ابن خروف: وقوله: " هذا واجبٌ " وقوله: " فكان كذا " يريدُ أنهما ماضيان، وفَسَّر الكلام بـ " أتسمع ليريَكَ أنه لا يتصل بالاستفهام لضعفِ حكمِ الاستفهامِ فيه. وقال بعضُ شُرَّاح الكتاب: " فتصبحُ " لا يمكن نصبُه؛ لأنَّ الكلامَ واجب. ألا ترى أن المعنىٰ: أن اللهَ أنزلَ، فالأرضُ هذه حالُها. وقال الفراء: " ألم تَرَ " خبرٌ كما تقولُ في الكلام: علم أنَّ الله يفعل كذا فيكون كذا ".

السابقالتالي
2 3