الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله: { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ }: في هذه الجملةِ بعد " إلاَّ " ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من " رسول " والمعنى: وما أَرْسَلْناه إلاَّ حالُهُ هذه، والحالُ محصورةً. الثاني: أنها في محلِّ الصفةِ لـ " رسول " ، فيجوزُ أَنْ يُحْكَمَ على موضعها بالجرِّ باعتبارِ لفظِ الموصوف، وبالنصبِ باعتبارِ محلِّه؛ فإنَّ " مِنْ " مزيدةٌ فيه. الثالث: أنَّها في موضعِ استثناءٍ من غيرِ الجنس. قاله أبو البقاء. يعني أنه استثناءٌ منطقعٌ.

و " إذا " هذه يجوزُ أَنْ تكونَ شرطيةً، وهو الظاهر، وإليه ذهب الحوفيُّ، وأَنْ تكونَ لمجردِ الظرفية. قال الشيخ: " ونَصَّوا على أنَّه يَليها في النفي ـ يعني " إلاَّ " ـ المضارعُ بلا شرطٍ نحو: ما زيدٌ إلاَّ يفعلُ، وما رأيتُ زيداً إلاَّ يفعلُ، والماضي بشرطِ تقدُّم فِعلٍ نحو:مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ } [يس: 30] أو مصاحبةِ قد [نحو:] " ما زيدٌ إلاَّ قد فعل ". وما جاء بعد " إلاَّ " في الآية جملةُ شرطية، ولم يَلِها ماضٍ مصحوبٌ بـ " قَدْ " ولا عارٍ منها. فإنْ صَحَّ ما نَصُّوا عليه يُؤَوَّل على أنَّ " إذا " جُرِّدَتْ للظرفية ولا شرطَ فيها وفُصِل بها بين " إلاَّ " والفعلِ الذي هو " أَلْقى " ، وهو فصلٌ جائز، فتكونُ " إلاَّ " قد وَلِيها ماضٍ في التقديرِ ووُجِد شرطُه: وهو تقدُّم فعلٍ قبل " إلاَّ " وهو " وما أَرْسَلْنا ".

قلت: ولا حاجةَ إلى هذا التكليفِ المُخْرِجِ للآيةِ عن معناها. بل هو جملةٌ شرطيةٌ: إمَّا حالٌ، أو صفةٌ، أو استثناء، كقوله:إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ } [الغاشية: 23] وكيف يُدَّعىٰ الفصلُ بها وبالفعلِ بعدَها بين " إلاَّ " وبين " ألقى " مِنْ غير ضرورةٍ تدعو إليه ومع عدم صحةِ المعنى؟

وقوله تعالى: { إِذَا تَمَنَّىٰ }: إنما أُفْرِد الضميرُ، وإن تقدَّمه شيئان معطوفٌ أحدُهما على الآخر بالواو؛ لأنَّ في الكلام حذفاً تقديرُه: وما أَرْسَلْنا مِنْ قبلِك مِنْ رسولٍ إلاَّ إذا تمنَّى ولا نبيٍّ إلاَّ إذا تمنَّى كقولِه:وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62]. والحذفُ: إمَّا من الأول أو من الثاني.

والضميرُ في " أُمْنِيَّتِه " فيه قولان، أحدُهما: ـ وهو الذين ينبغي أن يكونَ ـ أنه ضميرُ الشيطان. والثاني: أنه ضميرُ الرسولِ، ورَوَوْا في ذلك تفاسيرَ اللهُ أعلم بصحتها.