الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله: { وَٱلْبُدْنَ }: العامَّةُ على نصب " البُدْنَ " على الاشتغال. ورُجِّح النصبُ وإن كان مُحْوِجاً لإِضمارٍ، على الرفع الذي لم يُحْوِجْ إليه، لتقدُّمِ جملةٍ فعليةٍ على جملةِ الاشتغالِ. وقُرِىء برفعِها على الابتداءِ، والجملةُ بعدها الخبرُ.

والعامَّةُ أيضاً على تسكينِ الدالِ. وقرأ الحسن ـ وتُرْوى نافعٍ وشيخةِ أبي جعفر ـ بضمِّها، وهما جمعان لـ " بَدَنَة " نحو: ثَمَرةٍ وثُمُرٍ وثُمْرٍ. فالتسكينُ يحتمل أن يكونَ تخفيفاً من المضمومِ، وأَنْ يكونَ أصلاً. وقيل: البُدْنُ والبُدُنُ جمعُ بَدَن، والبَدَنُ جمعٌ لبَدَنَة نحو: خَشَبة وخَشَب، ثم يُجْمع خَشَباً على خُشُب وخُشْب./ وقيل: البُدْنُ اسمٌ مفردٌ لا جمعٌ يَعْنُون اسمَ جنسٍ. وقرأ ابنُ أبي إسحاق " البُدُنَّ " بضم الباء والدال وتشديد النون. وهي تحتمل وجهين، أحدُهما: أنَّه قرأ كالحسن، فوقَفَ على الكلمةِ وضَعَّفَ لامَها كقولِهم: " هذا فَرُخّْ " ثم أجرىٰ الوصلَ مُجْرىٰ الوقفِ في ذلك. ويُحتمل أَنْ يكونَ اسماً على فُعُل كـ عُتُلّ.

وسُمِّيَت البَدَنة بَدَنةً لأنها تُبْدَنُ أي: تُسَمَّنُ. وهنل تختصُّ بالإِبل؟ الجمهورُ على ذلك. قال الزمخشري: " والبُدْنُ: جمعُ بَدَنَة سُمِّيَتْ لعِظَمِ بَدَنِها، وهي الإِبِلُ خاصةً؛ لأنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ألحق البقرَ بالإِبل حين قال: " البَدَنَةُ عن سبعةٍ، والبقرة عن سبعة " فجَعَلَ البقرَ في حُكْمِ الإِبلِ، صارَت البَدَنةُ متناوَلَةً في الشريعة للجنسين عند أبي حنيفة وأصحابِه، وإلاَّ فالبُدْنُ هي الإِبلُ وعليه تَدُلُّ الآيةُ ". وقيل لا تختصُّ، فقال الليث: البَدَنَةُ بالهاء تقعُ على الناقةِ والبقرة والبعير وما يجوز في الهَدْي والأضاحي، ولا تقعُ على الشاة. وقال عطاءٌ وغيرُه: ما أشعر مِنْ ناقة أو بقرةٍ. وقال آخرون: البُدْنُ يُراد به العظيمُ السِّنِّ من الإِبل والبقر. ويقال للسَّمين من الرجال. وهو اسمُ جنسٍ مفردٍ.

قوله: { مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } هو المفعولُ الثاني للجَعْل بمعنى التصيير.

قوله: { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } الجملةُ حالٌ: إمَّا من " ها " " جَعَلْناها " ، وإمَّا مِنْ شعائر الله. وهذان مبنيَّان على أن الضميرَ في " فيها " هل هو عائدٌ على " البُدْن " أو على شعائر؟ والأولُ قولُ الجمهورِ.

قوله: { صَوَآفَّ } نصبٌ على الحال أي: مُصْطَفَّةً جنبَ بعضِها إلى بعض. وقرأ أبو موسى الأشعري والحسن ومجاهد وزيد بن أسلم " صَوافي " جمعَ صافِيَة أي: خالصةً لوجهِ الله تعالى. وقرأ عمرو بن عبيد كذلك، إلاَّ أنه نَوَّنَ الياءَ فقرأ " صَوافياً ". واسْتُشْكِلَتْ من حيث إنه جمعٌ متَناهٍ. وخُرِّجَتْ على وجهين، أحدُهما: ـ ذكره الزمخشري ـ وهو أَنْ يكونَ التنوينُ عِوَضاً من حرفِ الإِطلاقِ عند الوقف. يعني أنه وَقَفَ على " صَوافي " بإشباع فتحةَ الياءِ فَتَوَلَّد منها أَلِفٌ يُسَمَّى حرفَ الإِطلاق، ثم عَوَّضَ عنه هذا التنوينَ، وهو الذي يُسَمِّيه أهلُ النحوِ تنوينَ الترنُّم.

السابقالتالي
2