الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ }

قوله: { وَأَذِّن }: قرأ العامَّةُ بتشديد الذال بمعنى نادِ. وقرأ الحسنُ وابن محيصن " آذِنْ " بالمدِّ والتخفيف بمعنى أعْلِمْ. ويُبْعِدُه قوله: { فِي ٱلنَّاسِ } إذ كان ينبغي أَنْ يتعدَّى بنفسِه. وقرآ أيضاً فيما نقله عنهما أبو الفتح " أَذِنَ " بالقصر وتخفيف الذال. وخرَّجها أبو الفتح وصاحب " اللوامح " على أنها عطفٌ على " بَوَّأنا " أي: واذكرْ/ إذ بَوَّأْنا وإذ أَذِنَ في الناس وهي تخريجٌ واضح. وزاد صاحب " اللوامح " فقال: " فيصيرُ في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ ويصير " يأتوك " جزماً على جواب الأمر الذي في " وطهِّرْ ": ونَسَب ابنُ عطية أبا الفتح في هذه القراءةِ إلى التصحيفِ فقال ـ بعد أن حكى قراءةَ الحسنِ وابن محيصنٍ " وآذِنْ " بالمَدِّ ـ و " تَصَحَّفَ هذا على ابن جني فإنَّه حكىٰ عنهما " وأَذِنَ " على فعلٍ ماضٍ. وأعربَ على ذلك بأَنْ جَعَلَه عطفاً على " بَوَّأْنا ".

قلت: ولم يَتَصَحَّفْ فِعْلُه، بل حكى تلك القراءةَ أبو الفضل الرازي في " اللوامح " له عنهما، وذكرها أيضاً ابنُ خالويه، ولكنه لم يَطَّلِعْ عليها فنسَب مَنْ اطَّلع إلى التصحيفِ ولو تأنَّى أصاب أو كاد.

وقرأ ابنُ أبي إسحاقَ " بالحِجِّ " بكسرِ الحاء حيث وَقَع كما قَدَّمْتُه عنه.

قوله: { رِجَالاً } نصبٌ على الحالِ، وهو جمعُ راجِل نحو: صاحِب وصِحاب وتاجِر وتِجار وقائِم وقِيام. وقرأ عكرمة والحسن وأبو مجلز " رُجَّالاً " بضمِّ الراء وتشديدِ الجيمِ. ورُوي عنهم تخفيفُها. وافقهم ابنُ أبي إسحاق على التخفيفِ وجعفر من محمد ومجاهدٌ على التشديد. ورُوِيَتْ عن ابن عباس بالألف. فالمخفف اسمُ جمعٍ كظُؤَار، والمشدَّدُ جمعُ تكسيرٍ كصائم وصُوَّام. ورُوي عن عكرمةَ أيضاً " رُجَالى " كنُعامى بألف التأنيث، وكذلك عن ابنِ عباس وعطاء، إلاَّ أنهما شدَّدا الجيمَ.

قوله: { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } نسَقٌ على " رِجالاً " فيكون حالاً أي: مُشاةً وركباناً.

قوله: { يَأْتِينَ } النونُ ضميرُ " كلِّ ضامِرٍ " حَمْلاً على المعنى؛ إذ المعنى: على ضوامرَ. و " يَأْتِيْنَ " صفةٌ لـ " ضامِر ". وأتىٰ بضميرِ الجمعِ حَمْلاً على المعنىٰ. وكان قد تقرَّر أولَ هذا التصنيفِ أنَّ " كل " إذا أُضِيْفَتْ إلى نكرةٍ لم يُراعَ معناها، إلاَّ في قليلٍ كقوله:
3383ـ جادَتْ عليه كلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ     فتركْنَ كلَّ حَديقةٍ كالدِّرْهَمِ
وهذه الآيةُ تَرُدُّه؛ فإنَّ " كلاً " فيها مضافةٌ لنكرةٍ وقد روعي معناها. وكان بعضُهم أجاب عن بيتِ زهير بأنه إنما جاز ذلك لأنه في جملتين، فقلت: فهذه الآيةُ جملةٌ واحدةٌ لأنَّ " يَأْتِيْنَ " صفةٌ لـ " ضامِر ".

وجَوَّز الشيخ أَنْ يكونَ الضميرُ يَشْمَلُ رجالاً وكل ضامر قال: " على معنى الجماعات والرفاق " قلت: فعلىٰ هذا يجوزُ أَنْ يقالَ عنده: الرجال يَأْتِيْنَ.

السابقالتالي
2