الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }

قوله: { وَإِذْ بَوَّأْنَا }: أي: اذكرْ حينَ. واللامُ في " لإِبراهيم " فيها ثلاثةُ أوجهٍ أحدُها: أنها للعلةِ، ويكون مفعولُ " بَوَّأْنا " محذوفاً أي: بَوَّأْنا الناسَ لأجل إبراهيم مكانَ البيت. و " بَوَّأَ " جاء متعدياً صَرِيحاً قال تعالى:وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [يونس: 93]،لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } [العنكبوت: 58]. وقال الشاعر:
3382ـ كَمْ مِنْ أَخٍ ليَ صالحٍ     بَوَّأْتُه بيَديَّ لَحْدا
والثاني: أنها مزيدةٌ في المفعولِ به. وهو ضعيفٌ؛ لِما عَرَفْتَ أنها لا تُزاد إلاَّ إنْ تَقَدَّم المعمولُ، أو كان العاملُ فرعاً الثالث: أَنْ تكونَ مُعَدِّيَةً للفعل على أنه مُضَمَّنٌ معنى فعل يتعدَّى بها أي: هَيَّأنا له مكانَ البيتِ كقولك: هَيَّأْتُ له بيتاً، فتكونُ اللامُ مُعدِّيَةً قال معناه أبو البقاء. وقال الزمخشري: " واذكرْ حينَ جَعَلْنا لإِبراهيمَ مكان البيت مباءة " ففسَّر المعنى بأنه ضَمَّن " بَوَّأْنا " معنى جَعَلْنا، ولا يريد تفسيرَ الإِعرابَ.

وفي { مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } وجهان، أظهرُهما: أنَّه مفعولٌ به. والثاني: قال أبو البقاء: " أَنْ يكونَ ظرفاً ". وهو ممتنعٌ من حيث إنَّه ظرفٌ مختصٌّ فحَقُّه أن يتعدَّىٰ إليه بـ في.

قوله: { أَن لاَّ تُشْرِكْ } في " أنْ هذه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّها هي المفسَّرةُ. قال الزمخشري: ـ بعد أَنْ ذكَرَ هذا الوجه ـ: " فإن قلتَ: كيف يكونُ النهيُ عن الشرك والأمرِ بتطهيرِ البيتِ تفسيراً للتبوِئَةِ؟ قلت: كانت البتوئةُ مقصودةً من أجل العبادةِ، وكأنه قيل: تعبَّدْنا إبراهيمَ قُلْنا له: لا تُشْرِكْ ". قلت: يعني أبو القاسم أنَّ " أنْ " المفسرةَ لا بُدَّ أن يتقَدَّمها ما هو بمعنى القولِ لا حروفِه، ولم يتقدَّم إلاَّ التَّبْوِئَةُ وليست بمعنى القول، فضَمَّنها معنى القول، ولا يريدُ بقولِه " قلنا: لا تشرك " تفسيرَ الإِعراب بل تفسيرُ المعنى؛ لأنَّ المفسِّرةَ لا تفسِّر القولَ الصريح. وقال أبو البقاء: " تقديرُه: قائِلين له: لا تشركْ فـ " أنْ " مفسرةٌ للقولِ المقدَّر " وهذا....

الثاني: أنَّها المخففةُ من الثقيلةِ، قاله ابن عطية. وفيه نظرٌ من حيث إن " أَنْ " المخففةَ لا بُدَّ أَنْ يتقدَّمَها فعلُ تحقيقٍ أو ترجيح، كحالِها إذا كانَتْ مشددة.

الثالث: أنها المصدريةُ التي تنصِبُ المضارعَ، وهي تُوْصَلُ بالماضي والمضارعِ والأمرِ، والنهي كالأمر. وعلى هذا فـ " أنْ " مجرورةٌ بلام العلةِ مقدرةً أي: بَوَّأناه لئلا تشركَ. وكان من حقِّ اللفظِ على هذا الوجه أن يكون " أن لا يشرك " بياء الغَيْبةِ، وقد قُرىء بذلك. قال أبو البقاء: " وقَوَّىٰ ذلك قراءةُ مَنْ قرأه بالياء " يعني مِنْ تحتُ. قلت: ووجهُ قراءةِ العامَّةِ على هذا التخريج أن تكونَ من الالتفاتِ من الغيبة إلى الخطاب.

السابقالتالي
2