الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ }

قوله: { يَوْمَ }: فيه أوجهٌ، أحدُها: أَنْ يَنْتَصِبَ بـ " تَذْهَلُ " ولم يذكُرِ الزمخشريُّ غيره. الثاني: أنه منصوبٌ بـ " عظيم ". الثالث: أنه منصوبٌ بإضمار اذكر. الرابع: أنه بدلٌ من الساعة. وإنما فُتح لأنه مبنيٌّ لإِضافتِه إلى الفعلِ. وهذا إنما يَتَمَشَّىٰ على قولِ الأخفش، وقد تَقَدَّم تحقيقُه آخرَ المائدة. الخامس: أنه بدلٌ من " زلزلة " بدلُ اشتمالٍ؛ لأنَّ كلاً من الحدثِ والزمانِ يَصْدُقُ أنه مشتملٌ على الآخر، ولا يجوزُ أَنْ ينتصِبَ بـ " زلزلة " لِمَا يَلْزَمُ من الفصلِ بين المصدرِ ومعمولِه بالخبر.

قوله: { تَرَوْنَهَا } في هذا الضميرِ قولان، أظهرهما: أنه ضميرُ الزلزلةِ لأَنها المحدَّثُ عنها، ويؤيِّدُه أيضاً قولُه { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ }. والثاني: أنه ضميرُ الساعةِ. فعلى الأولِ يكونُ الذُّهولُ والوَضْعُ حقيقةً لأنه في الدنيا، وعلى الثاني يكونُ على سبيلِ التعظيم والتهويل، وأنها بهذه الحيثيةِ، إذ المرادُ بالساعةِ القيامةُ، وهو كقولِه:يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } [المزمل: 17].

قوله: { تَذْهَلُ } في محلِّ نصب على الحال من " ها " في " تَرَوْنَها " فإنَّ الرؤيَةَ هنا بَصَريةٌ، وهذا إنما يَجِيْءُ على غيرِ الوجهِ الأولِ. وأمَّا الوجهُ الأولُ وهو أنَّ " تَذْهَلُ " ناصِبٌ لـ " يومَ تَرَوْنَها " فلا محلَّ للجملةِ من الإِعرابِ لأنها مستأنفةٌ، أو يكونُ محلُّها النصبَ على الحال من الزلزلة، أو من الضمير في " عظيم " ، وإنْ كان مذكراً، لأنَّه هو الزَّلْزَلَةُ في المعنىٰ، أو من الساعة، وإن كانت مضافاً إليها، لأنها: إمَّا فاعلٌ أو مفعولٌ كما تقدَّم. وإذا جَعَلْناها حالاً فلا بُدَّ من ضميرٍ محذوفٍ تقديرُه: تَذْهَلُ فيها.

وقرأ العامة " تَذْهَلُ " بفتح التاءِ والهاءِ، مِنْ ذَهِل عن كذا يَذْهَلُ. وقرأ ابن أبي عبلة واليماني بضم التاء وكسرِ الهاءِ ونصبِ " كل " على المفعولية، مِنْ أَذْهَلَه عن كذا يُذْهِله عَدَّاه بالهمزةِ، والذُّهولُ: الاشتغالُ عن الشيءِ. وقيل: إذا كان مع دَهْشَة. وقيل: إذا كان ذلك لطَرَآنِ شاغِلٍ مِنْ هَمٍّ ومَرَضٍ ونحوِهما. وذُهْل بنُ شَيْبان أصلُه من هذا.

والمُرْضِعَةُ: مَنْ تَلَبَّسَتْ بالفعل، والمُرْضِعُ: مَنْ شَأْنُها أَنْ تُرْضِعَ كحائض، فإذا أريد التلبُّسُ قيل: حائِضة.

قال الزمخشري: " فإن قلتَ: لِمَ قيل مُرْضِعَة دون مُرْضع؟ قلت: المُرْضِعَةُ التي هي في حال الإِرضاعِ ملقمةٌ ثديَها الصبيَّ، والمرضعُ التي مِنْ شأنِها أَنْ تُرْضِعَ وإن لم تباشِرْ الإِرضاعَ في حالِ وَصْفِها به " والمعنىٰ: إنَّ مِنْ شِدَّة الهَوْلِ تَذْهَلُ هذه عن ولدِها فكيف بغيرِها؟ وقال بعضُ الكوفيين: المُرْضِعَةُ تقال للأمِّ، والمُرْضِعُ تقال للمستأجَرَةِ غيرِ الأمِّ، وهذا مردودٌ بقولِ الشاعر:
3369ـ كمُرْضِعَةٍ أولادَ أخرىٰ وضَيَّعَتْ     بني بطنِها هذا الضلالُ عن القصدِ
فأَطْلَقَ المُرْضِعَةَ بالتاء على غير الأمِّ.

السابقالتالي
2 3