الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }: الآية فيها ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنَّ " إنَّ " الثانيةَ واسمَها وخبرَها في محلِّ رفع خبراً لـ " إنَّ " الأولى. قال الزمخشري: " وأُدْخِلَتْ " إنَّ " على كلِّ واحدٍ من جُزْأَي الجملةِ لزيادةِ التأكيدِ. ونحوُه قولُ جريرٍ:
3375ـ إنَّ الخليفةَ إنَّ اللهَ سَرْبلَه     سِرْبالَ مُلْكٍ به تُرْجَى الخواتيمُ
قال الشيخ: " وظاهرُ هذا أنه شَبَّه البيتَ بالآيةِ، وكذلك قرنه الزَّجَّاج بالآية، ولا يتعيَّنُ أن يكونَ البيتُ كالآية؛ لأنَّ البيتَ يَحْتمل أَنْ يكونَ " الخليفةَ " خبرُه " به تُرْجَىٰ الخواتيمُ " ، ويكونَ " إنَّ اللهَ سَرْبَله " جملةَ اعتراضٍ بين اسمِ " إنَّ " وخبرِها، بخلافِ الآيةِ، فإنه يتعيَّنُ قولُه: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ }. وحَسَّنَ دخولَ " إنَّ " على الجملةِ الواقعةِ خبراً طولُ الفَصْلِ بينهما بالمعاطيف ".

قلت: قوله: " فإنَّه يتعيَّنُ قولُه إن الله يَفْصِل " يعني أن يكونَ خبراً. ليس كذلك لأنَّ الآيةَ محتمِلةٌ لوجهين آخرين ذكرهما الناسُ. الأول: أن يكونَ الخبرُ محذوفاً تقديرُه: يفترقون يومَ القيامة ونحُوه، والمذكورُ تفسيرٌ له. كذا ذكره أبو البقاء. والثاني: أنَّ " إنَّ " الثانيةَ تكريرٌ للأولى على سبيلِ التوكيدِ. وهذا ماشٍ على القاعدة: وهو أنَّ الحرفَ إذا كُرِّرَ توكيداً أُعِيْدَ معه ما اتَّصل به أو ضميرُ ما اتَّصل به، وهذا قد أُعِيدَ معه ما أتَّصل به أولاً: وهي الجلالةُ المعظمةُ، فلم يتعيَّنْ أَنْ يكونَ قولُه: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ } خبراً لـ " إنَّ " الأَوْلى كما ذُكر.

وقد تقدَّم تفسيرُ ألفاظِ هذه الآيةِ، إلاَّ المجوسَ. وهم قومٌ اختلف أهلُ العلمِ فيهم فقيل: قومٌ يعبدون النارَ. وقيل: الشمسَ والقمرَ. وقيل: اعتزلوا النصارى ولَبِسوا المُسُوْح. وقيل: أَخَذوا من دين النصارىٰ شيئاً، ومن دينِ اليهودِ شيئاً، وهم القائلونَ بأنَّ للعالم أصلين: نورٌ وظلمةٌ. وقيل: هم قومٌ يستعملون النجاساتِ، والأصل: نَجوس بالنونِ فأُبْدِلَتْ ميماً.