الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ }

قوله: { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ }: فيه عشرةُ أوجه، وذلك أنَّه: إمَّا بجَعْلِ " يَدْعُو " متسلِّطاً على الجملة مِنْ قولِه: { لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } أو لا. فإنْ جَعَلْنَاه مُتَسَلِّطاً عليها كان في سبعةُ أوجه، أحدها: أنَّ " يَدْعُو " بمعنى يَقُوْل، واللامُ للابتداء، و " مَنْ " موصولةٌ في محلِّ رفعٍ بالابتدء. و " ضَرُّه " مبتدأ ثانٍ و " أقربُ " خبرُه. وهذه الجملةُ صلةٌ للموصول، وخبرُ الموصولِ محذوفٌ تقديرُه: يقول لَلَّذي ضَرُّه أقربُ من نَفْعِه إلهٌ أو إلهي أو نحوُ ذلك. والجملةُ كلُّها في محلٍّ نصبٍ بـ " يَدْعُو " لأنَّه بمعنى يَقُول، فهي محكيَّةٌ به. وهذا قولُ أبي الحسنِ. وعلى هذا فيكون قولُه: { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ } مستأنفاً ليس داخلاً في المَحْكيِّ قبلَه؛ لأنَّ الكفار لا يقولون في أصنامِهم ذلك. وقد رَدَّ بعضُهم هذا القولَ بأنه فاسدُ المعنىٰ، والكافرُ لا يَعتقد في الأصنامِ أنَّ ضَرَّها أقربُ مِنْ نفعِها البتةَ.

الثاني: أنَّ " يَدْعُو " مُشَبَّهٌ بأفعالِ القلوب؛ لأنَّ الدعاءَ لا يَصْدُرُ إلاَّ عن اعتقادٍ، وأفعال القلوب تُعَلَّق، فـ " يَدْعُو " مُعَلَّقٌ أيضاً باللام. و " مَنْ " مبتدأٌ موصولٌ. والجملةُ بعده صلةٌ، وخبرُه محذوفٌ على ما مَرَّ في الوجهِ قبلَه.

والجملة في محلِّ نصبٍ، كما تكون كذلك بعد أفعالِ القلوب. الثالث: أَنْ يُضَمَّن يَدْعُو معنى يزعم، فيُعَلَّق كما يُعَلَّقُ، والكلامُ فيه كالكلامِ في الوجهِ الذي قبله. الرابع: أن الأفعالَ كلَّها يجوزُ أَنْ تُعَلَّق قلبيةً كانت أو غيرَها فاللامُ معلِّقَةٌ لـ " يَدْعوا " ، وهو مذهبُ يونسَ. فالجملةُ بعده الكلامُ فيها كما تقدَّم.

الخامس: أنَّ " يَدْعُوا " بمعنى يُسَمِّي، فتكونَ اللامُ مزيدةً في المفعولِ الأولِ وهو الموصولُ وصلتُه، ويكون المفعولُ الثاني محذوفاً تقديرُه: يُسَمِّي الذي ضَرُّه أقربُ مِنْ نفعِه إلهاً ومعبوداً ونحو ذلك. السادس: أنَّ اللامَ مُزالَةٌ/ مِنْ موضِعها. والأصلُ: يَدْعُو مَنْ لَضَرُّه أقربُ. فقُدِّمَتْ مِنْ تأخيرٍ. وهذا قولُ الفراء. وقد رَدُّوا هذا بأنَّ ما في صلةِ الموصولِ لا يتقدَّمُ على الموصولِ. السابع: أنَّ اللامَ زائدةٌ في المفعول به وهو " مَنْ ". والتقديرُ: يَدْعُو مَنْ ضَرُّه أقرب. فـ " مَنْ " موصولٌ، والجملةُ بعدَها صلتُها، والموصولُ هو المفعولُ بـ " يَدْعُو " زِيْدتْ فيه اللامُ كزيادتِها في قولِهرَدِفَ لَكُم } [النمل: 72] في أحدِ القولين. وقد رُدَّ هذا بأنَّ زيادةَ اللام إنما تكونُ إذا كان العاملُ فَرْعاً، أو بتقديم المعمول. وقرأ عبد الله " يَدْعُو مَنْ ضَرُّه " بعيرِ لامِ ابتداءٍ، وهي مؤيدةٌ لهذا الوجهِ.

وإنْ لم تجعَلْه متسلِّطاً على الجملةِ بعدَه كان فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنَّ " يَدْعُو " الثاني توكيدٌ لـ " يَدْعو " الأولِ فلا معمولَ له، كأنه قيل: يَدْعو يَدْعو مِنْ دونِ الله الذي لا يَضُرُّه ولا ينفعه.

السابقالتالي
2