الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ }

قوله: { عَلَىٰ حَرْفٍ }: حالٌ من فاعل " يَعْبُدُ " أي: مُتَزَلْزلاً. ومعنىٰ " على حرف " أي: على شك أو على انحرافٍ، أو على طرفِ الدين لا في وسطه، كالذي يكونُ في طرف العَسْكَر: إنْ رأىٰ خيراً ثبت وإلاَّ فرَّ.

قوله: { خَسِرَ } قرأ العامَّةُ " خَسِرَ " فعلاً ماضياً. وهو يحتملُ ثلاثةَ أوجهٍ: الاستئنافَ، والحاليةَ مِنْ فاعلِ، " انقلبَ " ، ولا حاجةَ إلى إضمارِ " قد " على الصحيحِ، والبدليةُ مِنْ قولِه " انقلَبَ " ، كما أبدل المضارعَ مِنْ مثِله في قوله:يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ } [الفرقان: 69].

وقرأ مجاهدٌ والأعرجُ وابنُ محيصن والجحدري في آخرين " خاسِرَ " بصيغة اسم فاعلٍ منصوبٍ على الحال، وهي تؤيدُ كونَ الماضي في قراءةِ العامَّةِ حالاً. وقُرِىء برفعهِ. وفيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يكونَ فاعِلاً بـ " انقلبَ " ويكونُ مْنْ وَضْعِ الظاهرِ مَوْضِعَ المضمرِ أي: انقلب خاسرُ الدنيا. والأصلُ: انقلبَ هو. والثاني: أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي: هو خاسرُ. وهذه القراءةُ تُؤَيِّدُ الاستئنافَ في قراءةِ المُضِيِّ على التخريج الثاني. وحَقُّ مَنْ قَرَأ " خاسر " رفعاً ونصباً أَنْ يَجُرُّ " الآخرةِ " لعطفِها على " الدنيا " المجرورِ بالإِضافةِ. ويجوز أن يبقى النصبُ فيها؛ إذ يجوزُ أَنْ تكونَ " الدنيا " منصوبةً. وإنما حُذِفَ التنوينُ من " خاسر " لالتقاءِ الساكنين نحو قولِه:
3374ـ......................    ولا ذاكرَ اللهَ إلاَّ قليلا