الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ }

قوله: { حَتَّىٰ إِذَا }: قد تقدم الكلام على " حتى " الداخلةِ على " إذا " مشبعاً. وقال الزمخشري هنا: " فإنْ قلت: بمَّ تعلَّقَتْ " حتىٰ " واقعةً غايةً له وأيَّة الثلاث هي؟ قلت: هي متعلقةٌ بـ " حرامٌ " وهي غايةٌ له؛ لأنَّ امتناعَ رجوعِهم لا يزول حتى تقومَ القيامةُ، وهي " حتى " التي يُحْكىٰ بعدها الكلامُ، والكلامُ المحكيُّ هو الجملةُ من الشرطِ والجزاءِ، أعني " إذا " وما في حيزها ". وأبو البقاء نَحا هذا النحوَ فقال: " وحتى " متعلقةٌ في المعنى بـ " حرامٌ " أي: يستمرُّ الامتناع إلى هذا الوقتِ، ولا عملَ لها في " إذا ".

وقال الحوفي: " هي غايةٌ، والعاملُ فيها ما دَلَّ عليه المعنىٰ مِنْ تأسُّفِهم على مافَرَّطوا فيه من الطاعةِ حين فاتَهم الاستداركُ ". وقال ابنُ عطية: " حتى " متعلقةٌ بقوله " وتَقَطَّعوا ". وتحتملُ على بعضِ التأويلاتِ المتقدمة أَنْ تتعلَّق بـ " يَرْجِعون " ، وتحتمل أَنْ تكونَ حرفَ ابتداءٍ، وهو الأظهر؛ بسبب " إذا "؛ لأنها تقتضي جواباً هو المقصودُ ذِكْرُه ". قال الشيخ: " وكونُ " حتى " متعلقةً بـ " تَقَطَّعوا " فيه بُعْدٌ من حيثن كثرةُ الفصلِ لكنه من حيث المعنىٰ جيدٌ: وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحقِّ إلى قُرْب مجيءِ الساعةِ، فإذا جاءت الساعةُ انقطع ذلك كلُّه ".

وتلخَّصَ في تعلُّق " حتى " أوجهُ، أحدها: أنها متعلقةٌ بـ " حرامٌ ". الثاني: أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ دَلَّ عليه المعنىٰ، وهو قولُ الحوفيِّ. الثالث: أنها متعلقةٌ بـ " تَقَطَّعوا ". الرابع: أنها متعلقةٌ بـ " يَرْجِعون ". وتلخَّص في " حتى " وجهان، أحدهما: أنها حرفُ ابتداءٍ وهو قولُ الزمخشري وابنِ عطية فيما اختاره، الثاني: حرفُ جرّ، بمعنى إلى.

وقرأ " فُتِّحَتْ " بالتشديد ابنُ عامر. والباقون بالتخفيفِ. وقد تقدَّم ذلك أولَ الأنعام، وفي جواب " إذا " أوجهٌ أحدُها: أنه محذوفٌ فقدَّره أبو إسحاق: " قالوا يا وَيْلَنا " ، وقدَّره غيرُه: فحينئذٍ يُبعثون. وقوله " فإذا هي شاخصة " عطفٌ على هذا المقدرِ. الثاني: أنَّ جوابَها الفاءُ في قولِه " فإذا هي " قاله الحوفي والزمخشري وابن عطية. فقال الزمخشري: " وإذا هي المفاجأةُ، وهي تقع في المجازاة سادَّةً مَسَدَّ الفاءِ كقوله تعالىٰ:إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [الروم: 36] فإذا جاءت الفاءُ معها تعاونَتا على وَصْل الجزاء بالشرط فيتأكَّدُ. ولو قيل: إذا هي شاخصة كان سديداً. وقال ابن عطية: " والذي أقول: إنَّ الجوابَ في قوله " فإذا هي شاخِصَةٌ " ، وهذا هو المعنى الذي قُصِد ذِكْرُه؛ لأنه رجوعُهم الذي كانوا يُكَذِّبون به وحَرَّم عليهم امتناعَه ".

السابقالتالي
2