الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }

قوله: { وَحَرَامٌ }: قرأ الأخَوان وأبو بكر ورُوِيَتْ عن أبي عمرو " وحِرْمٌ " بكسرِ الحاء وسكونِ الراءِ. وهما لغتان كالحِلِّ والحَلال. وقرأ بن عباس وعِكْرمة و " حَرِمَ " بفتح الحاء وكسر الراء وفتح الميم، على أنه فعلٌ ماضٍ، ورُوي عنهما أيضاً وعن أبي العالية بفتح الحاء والميم وضمِّ الراءِ بزنة كُرمَ، وهو فعلٌ ماض أيضاً. ورُوي عن ابن عباس فتحُ الجميع. وهو فعلٌ ماضٍ أيضاً. واليمانيُّ بضم الحاء وكسر الراءِ مشددةً وفتح الميم ماضياً مبنياً للمفعول. ورُوي عن عكرمةَ بفتح الحاء وكسرِ الراء و تنوين الميم.

فَمَنْ جعله اسماً: ففي رفعه وجهان، أحدهما: أنه مبتدأ/ وفي الخبر حينئذٍ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدهُا: قوله { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } وفي ذلك حينئذٍ أربعةُ تأويلاتٍ، التأويلُ الأولُ: أنَّ " لا " زائدةٌ, والمعنىٰ: وممتنعٌ على قريةٍ قدَّرْنا إهلاكَها لكفرِهم رجوعُهم إلى الإِيمانِ، إلى أَنْ تقومَ الساعةُ. وممَّن ذهب إلى زيادتِها أبو عمروٍ مستشهداً عليه بقولِه تعالىٰ:مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [الأعراف: 12] يعني في أحدِ القولين. التأويل الثاني: أنها غيرُ زائدةٍ، وأنَّ المعنىٰ: أنَّهم غيرُ راجعين عن معصيتهم وكفرِهم. التأويلُ الثالث: أنَّ الحرامَ يُرادُ به الواجب. ويَدُلُّ عليه قولُه تعالىٰ:قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ } [الأنعام: 151] وتَرْكُ الشِّرْكِ واجبٌ، ويَدُلُّ عليه أيضاً قولُ الخنساء:
3359ـ حرامٌ عليَّ لا أرىٰ الدهرَ باكياً     على شَجْوِه إلا بَكَيْتُ على صَخْرِ
وأيضاً فمن الاستعمالِ إطلاقُ أحدٍ الضدين على الآخرِ.

ومِنْ ثَمَّ قال الحسن والسدي: لا يَرْجِعون عن الشرك. وقال قتادة: إلى الدنيا. التأويل الرابع: قال أبو مسلم ابن بَحْر: " حرامٌ: ممتنع. وأنهم لا يرجعون: انتفاء الرجوعِ إلى الآخرةِ، فإذا امتنع الانتفاءُ وَجَبَ الرجوعُ. فالمعنىٰ: أنه يجبُ رجوعُهم إلى الحياة في الدار الآخرة. ويكون الغرضُ إبطالَ قولِ مَنْ يُنْكر البعثَ. وتحقيقُ ما تقدَّم من أنه لا كُفْرانَ لسَعْي أحدٍ، وأنه يُجْزَى على ذلك يومَ القيامةِ ". وقولُ ابن عطية قريبٌ من هذا قال: " وممتنعٌ على الكفرةَ المُهْلَكين أنهم لا يَرْجعون إلى عذاب الله وأليم عِقابِه، فتكون " لا " على بابِها، والحرامُ على بابه ".

الوجه الثاني: أنَّ الخبرَ منحذوفٌ تقديرُه: حرامٌ توبتُهم أو رجاءُ بعثهم، ويكونُ " أنَّهم لا يَرْجعون " علةً لما تقدَّم من معنى الجملة، ولكن لك حينئذ في " لا " احتمالان، الاحتمال الأول: أَنْ تكونَ زائدةً. ولذلك قال أبو البقاء في هذا الوجهِ بعدَ تقديرِه الخبرَ المتقدم: " إذا جَعَلْتَ لا زائدةً " قلت: والمعنى عنده: لأنهم يَرْجعون إلى الآخرة وجزائها. الاحتمال الثاني: أن تكونَ غيرَ زائدةٍ بمعنى: ممتنعٌ توبتُهم أو رجاءُ بعثِهم؛ لأنهم لا يَرْجعون إلى الدنيا فَيَسْتدركوا فيها ما فاتهم من ذلك.

السابقالتالي
2