الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ }

قوله: { لَبُوسٍ }: الجمهورُ على فتح اللام، وهو الشيءُ المُعَدُّ لِلُّبْس. قال الشاعر:
3355ـ البَسْ لكلِّ حالةٍ لَبُوْسَها     إمَّا نَعيمَها وإمَّا بُوْسَها
وقُرِىء " لُبُوْس " بضمِّها، وحينئذٍ: إمَّا أَنْ يكونَ جمعَ لُبْسِ المصدرِ الواقعِ موقعَ المفعول، وإمَّا أَنْ لا يكونَ واقعاً موقعَه، والأولُ أقربُ. و " لكم " يجوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بعَلَّمْناه، وأَنْ يتعلَّقَ بصَنْعَة. قاله أبو البقاء. وفيه بُعْد، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لِلَبوس.

قوله: { لِتُحْصِنَكُمْ } هذه لامُ كي. وفي متعلِّقها أوجهٌ، أحدها: أن يتعلَّقَ بَعَلَّمْناه. وهذا ظاهرٌ على القولين الأخيرين. وأمَّا على القولِ الثالثِ فيُشْكِلُ. وذلك أنه يلزمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جر متحدَيْن لفظاً ومعنىً. ويُجاب عنه: بأَنْ يُجْعَلَ بدلاً من " لكم " بإعادةِ العاملِ، كقوله تعالى:لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ } [الزخرف: 33]/ وهو بدلُ اشتمالٍ وذلك أنَّ " أنْ " الناصبةَ للفعلِ المقدرِ مؤولةٌ هي ومنصوبُها بمصدرٍ. وذلك المصدرُ بدلٌ من ضميرِ الخطابِ في " لكم " بدلُ اشتمالٍ، والتقدير: وعَلَّمْناه صنعةَ لَبوسٍ لتحصينِكم.

الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بـ " صَنْعَةَ " على معنى أنه بدلٌ من " لكم " كما تقدَّم تقريرُه، وذلك على رأي أبي البقاء فإنه عَلَّق " لكم " بـ " صَنْعَةَ ". والثالث: أن يتعلَّقَ بالاستقرار الذي تعلَّقَ به " لكم " إذا جَعَلْناه صفةً لِما قبله.

وقرأ الحَرَمِيَّان والأخَوان وأبو عمرو " ليُحْصِنَكم " بالياء من تحتُ. والفاعلُ اللهُ تعالىٰ ـ وفيه التفاتٌ على هذا الوجهِ إذ تَقَدَّمَه ضميرُ المتكلم في قولِه: { وَعَلَّمْنَاهُ } ـ أو داودُ أو التعليمُ أو اللَّبوس. وقرأ حفصٌ وابن ُ عامر بالتاء من فوقُ. والفاعل الصَّنْعَةُ أو الدِّرْعُ وهي مؤنثةٌ، أو اللَّبوس؛ لأنها يُراد بها ما يُلْبَسُ، وهو الدِّرْعُ، والدِّرْعُ مؤنثة كما تقدم. وقرأ أبو بكر " لِنُحْصِنَكم " " بالنونِ جرياً على " عَلَّمْناه " وعلى هذه القراءاتِ الثلاثِ: الحاءُ ساكنةٌ والصادُ مخففةٌ.

وقرأ الأعمش " لتُحَصِّنَكم " وكذا الفقيمي عن أبي عمروٍ بفتحِ الحاءِ وتشديد الصادِ على التكثير. إلاَّ أنَّ الأعمشَ بالتاءِ من فوقُ، وأبو عمروٍ بالياء من تحتُ. وقد تقدَّم ما هو الفاعلُ.