الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ }

قوله: { إِن يَتَّخِذُونَكَ }: " إنْ " هنا نافيةٌ، وهي وما في حَيِّزها جوابُ الشرط بـ إذا، و " إذا " مخالفةٌ لأدواتِ الشرطِ في ذلك، فإنَّ أدواتِ الشرطِ متى أُجِيبت بـ " إنْ " النافيةِ أو بـ " ما " النافيةِ وَجَبَ الإِتيانُ بالفاءِ تقول: إن أَتَيْتَني فإنْ أَهَنْتُك وفما أَهَنْتُك. وتقول: إذا أَتَيْتَني ما أَهَنْتُك بغير فاءٍ يَدُلُّ له قولُه تعالىٰ:وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [الجاثية: 25].

و " اتَّخَذَ " هنا متعديةٌ لاثنين. و " هُزُوا " هو الثاني: إمَّا على حَذْفِ مضافٍ، وإمَّا على الوصفِ بالمصدرِ مبالغةً، وإمَّا على وقوعِه مَوْقِعَ اسمِ المفعول.

وفي جواب " إذا " قولان، أحدهما: أنه " إنْ " النافيةُ، وقد تقدَّم ذلك. والثاني: أنه محذوفٌ، وهو القولُ الذي قد حكى به الجملةَ الاستفهاميةَ في قوله: { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } إذ التقديرُ: وإذا رآك الذين كفروا يقولونَ: أهذا الذي. وتكونُ الجملةُ المنفيةُ معترضةً بين الشرطِ وبين جوابهِ المقدَّرِ.

قوله: { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } " هم " الأولىٰ مبتدأٌ مخبرٌ عنه بـ " كافرون " ، و " بِذكْر " متعلقٌ بالخبرِ. والتقديرُ: وهم كافرون بذِكْر. و " هم " الثاني تأكيدٌ للأولِ تأكيداً لفظياً، فوقع الفصلُ بين العاملِ ومعمولِه بالمؤكِّد، وبين المؤكَّدِ والمؤكِّدِ بالمعمولِ.

وفي هذه الجملةِ قولان، أحدُهما: أنَّه في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ فاعلِ القولِ المقدَّرِ أي: يقولون ذلك وهم على هذه الحالةِ. والثاني: أنها حالٌ مِنْ فاعلِ " يَتَّخِذونك " ، وإليه نحا الزمخشريُّ، فإنه قال: " والجملةُ في موضعِ الحالِ أي: يَتَّخِذُونك هُزُواً وهم على حالٍ هي أصلُ الهزْءِ والسخريةِ، وهي الكفرُ باللهِ ".