الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }

قوله: { أَن تَمِيدَ } مفعولٌ من أجله أي: أن لا تميدَ فَحُذِفَتْ " لا " لفَهْمِ المعنى، أو كراهةَ أَنْ تميد. وقَدَّره أبو البقاء فقال: " مخافَةَ أن تميدَ ". وفيه نظرٌ لأنَّا إنْ جَعَلْنا المخافةَ مسندةً إلى المخاطبين أخْتَلَّ شرطٌ من شروطِ النصبِ في المفعولِ له وهو الفاعل. وإنْ جَعَلْناها مسندةً لفاعل الجَعْل استحال ذلك، لأنَّه تبارك وتعالىٰ لا يُسْنَدُ إليه الخوف. وقد يقال: يُختارُ أن تُسْنَدَ المخافةُ إلى المخاطبين. قولكم: يختلُّ شرطٌ من شروطِ النصب. جوابُه: أنه ليس بمنصوبٍ، بل مجرورٌ بحرف العلةِ المقدرِ./ وحَذْفُ حرفِ الجر مُطَّردٌ مع أنْ وأنَّ بشرطه.

قوله: { فِجَاجاً سُبُلاً } في " فجاجاً " وجهان، أحدهما: أنه مفعولٌ به و " سُبُلا " بدلٌ منه. والثاني: أنه منصوب على الحال مِنْ " سبلاً " لأنه في الأصلِ صفةٌ له فلمَّا قُدِّم انتصبَ حالاً كقولِه:
3338ـ لميَّـةَ موحشـاً طَلَـلُ   يلـوحُ كأنَّـه خِلَـلُ
ويدلُّ على ذلك مجِيْئُه صفةً في الآية الأخرى، وهي قولُه تعالى:لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } [نوح: 20]. قال الزمخشري: " فإن قلت: في الفجاجِ معنى الوصفِ، فما لها قُدِّمَتْ على السُّبُل ولم تُؤَخَّرْ، كقولِه تعالى: { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً }؟ قلت: لم تُقَدَّم وهي صفةٌ ولكنْ جُعِلَتْ حالاً كقولِه:
3339ـ لِعَــزَّةَ مُوْحِشـاً طَلَـلٌ قديـمُ     ........................
فإنْ قلتَ: ما الفرقُ بينهما من جهةِ المعنىٰ؟ قلتُ: أحدُهما أعلامٌ بأنه جَعَلَ فيها طرقاً واسعة. والثاني: أنه حينَ خَلَقها خَلَقها على تلك الصفةِ، فهو بيانٌ لما أُبْهِم ثمةَ ".

قال الشيخ: " يعني بالإِبهامِ أنَّ الوصفَ لا يلزمُ أَنْ يكونَ الموصوفُ متصفاً به حالةَ الإِخبارِ عنه، وإن كان الأكثرُ قيامَه به حالةَ الإِخبارِ عنه. ألا ترىٰ أنه يُقال: مررتُ بوَحْشيٍّ القاتلِ حمزةَ، وحالةَ المرورِ لم يكن قائماً به قَتْلُ حمزة ".

والفَجُّ: الطريقُ الواسعُ. والجمعُ: الفِجاجُ.

والضميرُ في " فيها " يجوزُ أن يعودَ على الأرض، وهو الظاهرُ كقولِه:وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } [نوح: 19-20] وأَنْ يعودَ على الرَّواسي، يعني أنه جعل في الجبال طُرُقاً واسعة.