الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ }

قوله: { وَمَنْ عِنْدَهُ }: يجوز فيه وجهان، أحدُهما: أنه معطوفٌ على " مَنْ " الأولى. أخبرَ تعالى عن مَنْ في السماوات والأرض، وعن مَنْ عنده بأنَّ الكلَّ له في مِلْكِه، وعلى هذا فيكون من باب ذِكْرِ الخاصِّ بعد العام مَنْبَهَةً على شرفه. لأنَّ قولَه: { مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } شَمَل مَنْ عنده، وقد مَرَّ نظيرُه في قولِه:وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [البقرة: 98]. وقوله: { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } على هذا فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه حال/ مِنْ " مَنْ " الأولى أو الثانية أو منهما معاً. وقال أبو البقاء: " حالٌ: إمَّا مِن الأولى أو الثانيةِ على قولِ مَنْ رَفَع بالظرف " يعني أنَّه إذا جَعَلْنا " مَنْ " في قولِه { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } مرفوعاً بالفاعليةِ، والرافعُ الظرفُ؛ وذلك على رأي الأخفش، جاز أَنْ يكونَ " لا يَسْتبكرون " حالاً: إمَّا مِنْ " مَنْ " الأولى، وإمَّا مِن الثانية؛ لأن الفاعلَ يجيءُ منه الحالُ. ومفهومُه أنَّا إذا جَعَلْنا مبتدأً لا يجيءُ " يستكبرون " حالاً، وكأنه يرىٰ أنَّ الحالَ لا تجيءُ من المبتدأ، وهو رأيٌ لبعضِهم. وفي المسألةِ كلامٌ مقررٌ في غيرِ هذا الموضوعِ، ويجوزُ أَنْ يكونَ " لا يستكبرون " حالاً من الضميرِ المستكنِّ في " عندَه " الواقعِ صلةً، وأن يكونَ حالاً من الضميرِ المستكنِّ في " له " الواقع خبراً.

والوجهُ الثاني من وجهَيْ " مَنْ ": أن تكونَ مبتدأً، و " لا يستكبرون " خبرُه، وهذه جملةٌ معطوفةٌ على جملةٍ قبلَها. وهل الجملةُ مِنْ قوله { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } استئنافيةٌ أو معادِلَةٌ لجملة قولِه: { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ } أي: لكم الوَيْلُ، ولله تعالى جميعُ العالَمِ عُلْوِيِّه وسُفْلِيِّه؟ والأولُ أظهرُ.

ولا يَسْتَحْسِرون أي: لا يَكِلُّون ولا يَتْبعون. يقال: اسْتَحْسر البعيرُ أي كَلَّ وتَعِب. قال: علقمة بن عبدة:
3333ـ بها جِيَفُ الحَسْرىٰ فأمَّا عِظامُها     فبِيْضٌ وأمَّا جِلْدُها فصَلِيْبُ
ويقال: حَسَر البعيرُ، وحَسَرْته أنا، فيكون لازماً ومتعدياً. وأَحْسَرْتُه أيضاً. فيكون فَعَل وأفْعَلَ بمعنىً في أحدِ وجهَيْ فَعَل. قال الزمخشري: " الاستحسارُ مبالغةٌ في الحُسورِ. فكان الأبلغُ في وصفِهم أَنْ ينفيَ عنهم أَدْنى الحُسورِ. قلت: في الاستحسارِ بيانُ أنَّ ما هُمْ فيه يوجب غايةَ الحُسور وأقصاه، وأنَّهم أَحِقَّاءُ لتلك العباداتِ الباهظة بأَنْ يَسْتَحْسِروا فيما يَفْعلون " وهو سؤالٌ حسنٌ وجوابٌ مطابق.