الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }

قوله: { يَوْمَ نَطْوِي }: فيه أوجهٌ، أحدها: أنه منصوبٌ بـ " لا يَحْزُنُهم ". والثاني: أنه منصوبٌ بـ " تتلقَّاهم ". الثالث أنه منصوبٌ بإضمار اذكر أو أعني. الرابع: أنه بدلٌ من العائدِ المقدرِ تقديرُه: تُوْعَدُونه/ يومَ نَطْوي فـ " يومَ " بدل من الهاء. ذكره أبو البقاء. وفيه نظرٌ؛ إذ يَلْزَمُ مِنْ ذلك خُلُوُّ الجملةِ الموصولِ بها من عائدٍ على الموصول، ولذلك مَنَعُوا " جاء الذي مررتُ به أبي عبد الله " على أن يكونَ " أبي عبد الله " بدلاً من الهاء لِما ذكرْتُ، وإن كان في المسألة خلاف. الخامس: أنه منصوبٌ بالفزع، قاله الزمخشري، وفيه نظر؛ من حيث إنه أَعْمَلَ المصدرَ الموصوفَ قبل أَخْذِه معمولَه.

وقد تقدَّم أنَّ نافعاً يقرأ " يُحْزِنُ " بضم الياء إلاَّ هنا، وأن شيخَه ابن َ القَعْقاع يَقْرأ " يَحْزُن " بالفتح إلاَّ هنا.

وقرأ العامَّة " نَطْوي " بنون العظمة وشيبة بن نصاح في آخرين " يطوي " بياء الغَيْبة، والفاعلُ هو الله تعالىٰ، وقرأ أبو جعفر في آخرين " تُطْوَىٰ " بضمِّ التاءِ مِنْ فوقُ وفتحِ الواوِ مبنياً للمفعول.

وقرأ العامَّةُ " السِّجِلِّ " بكسر السينِ والجيمِ وتشديدِ اللامِ كالطِّمِرِّ. وقرأ أبو هريرة وصاحبُه أبو زرعةَ بن عمرو بن جرير بضمِّهما، واللامُ مشددةٌ أيضاً بزنةِ " عُتُلّ ". ونقل أبو البقاء تخفيفَها في هذه القراءةِ أيضاً، فتكونَ بزنةِ عُنُق، وأبو السَّمَّال وطلحة والأعمش بفتح السين. والحسن وعيسىٰ بن عمر [بكسرِها]. والجيمُ في هاتين القراءتين ساكنةٌ واللامُ مخففةٌ، قال أبو عمرو: " قراءةُ أهلِ مكةً مثل قراءةِ الحسن ".

والسِّجِلُّ: الصحيفةُ مطلقاً. وقيل: بل هو مخصوصٌ بصحيفةِ العهد، وهي من المساجلةِ، والسَجْل: الدَلْوُ المَلأىٰ. وقال بعضهم: هو فارسيٌّ معرَّب فلا اشتقاقَ له.

و " طَيّ " مصدرٌ مضافٌ للمفعولِ. والفاعلُ محذوفٌ تقديرُه: كما يطوي الرجلُ الصحيفةَ ليكتبَ فيها، أَو لما يكتُبه فيها من المعاني، والفاعلُ يُحْذف مع المصدرِ باطِّراد. والكلامُ في الكاف معروفٌ أعني كونَها نعتاً لمصدرٍ مقدرٍ أو حالاً مِنْ ضميرِه. وأصلُ طيّ: طَوْيٌ فأُعِلَّ كنظائره.

وقيل: السِّجِلُّ سامُ مَلَكٍ يَطْوي كتبَ أعمالِ بني آدم. وقيل: اسمُ رجلٍ كان يكتب لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وعلى هذين القولين يكون المصدرُ مضافاً لفاعله. و " الكتاب " اسمٌ للصحيفةِ المكتوبِ فيها. وقال أبو إسحاق: " السِّجِلُّ: الرجلُ بلسان الحبشة ". وقال الزمخشري: كما يُطْوَىٰ الطُّومارُ للكتابة، أي: ليُكتبَ فيه، أو لما يُكتب فيه؛ لأن الكتابَ أصلُه المصدرُ كالبناء ثم يوقع على المكتوب ". فقدَّره الزمخشريُّ من الفعلِ المبنيِّ للمفعول.

السابقالتالي
2 3