الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ }

قوله: { فَلأُقَطِّعَنَّ }: قد تقدَّم نحوُ ذلك. و " مِنْ خِلافٍ " حالٌ أي: مختلفة. و " مِنْ " لابتداءِ الغاية، وقد تقدَّم أيضاً تحريرُ هذا وما قُرِىء به هناك.

قوله: { فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } يُحتمل أن يكونَ حقيقةً، وفي التفسير: أنه نَقَرَ جذوعَ النخلِ حتى جَوَّفَها، ووضعهم فيها، فماتوا جوعاً وَعَطَشاً، وأن يكونَ مجازاً، وله وجهان، أحدهما: أنه وضعَ حرفاً مكانَ آخر. والأصلُ: على جذُوع النخل كقول الآخر:
3303ـ بَطَلٌ كأنَّ ثيابَه في سَرْحَةٍ     يُحْذَىٰ نِعالَ السَّبْتِ ليس بتوءَمِ
والثاني: أنه شَبَّه تمكُّنَهم بتمكُّنِ مَنْ حواه الجِذْعُ واشتمل عليه. ومِنْ تَعَدِّي " صَلَب " بـ " في " قولُه:
3304ـ وقد صَلَبُوا العَبْدِيَّ في جِذْعِ نَخْلَةٍ     فلا عَطَسَتْ شَيْبانُ إلاَّ بأَجْدَعا
قوله: { أَيُّنَآ أَشَدُّ } مبتدأٌ وخبرٌ. وهذه الجملةٌ سادَّةٌ مَسَدَّ المفعولَيْنِ إنْ كانت " عَلِمَ " على بابها، ومَسَدَّ واحدٍ إنْ كانَتْ عِرْفانيةً. ويجوز على جَعْلِها عِرفانيةً أن تكونَ " أيُّنا " موصولةً بمعنى الذي، وبُنِيَتْ لأنه قد أُضِيفَتْ، وحُذِفَ صدرُ صلتِها، و " أشَدُّ " خبرُ مبتدأ محذوفٍ. والجملةُ من ذلك المبتدأ وهذا الخبرِ صلةٌ لـ " أيّ " و " أيّ " وما في حَيِّزها في محلِّ نصبٍ مفعولاً بها، كقوله تعالىٰ:ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ } [مريم: 69] في أحدِ أوجهِه كما تقدم.