الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ }

قوله: { إِنْ هَـٰذَانِ }: اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه " إنْ هذانِّ " بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ " هذانٍ ". وقرأ أبو عمرو " إنَّ " بالتشديد " هذين " بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ " هذان " بالألف.

فأَمَّا القراءةُ الأولى ـ وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص ـ فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا " إنْ " المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ ـ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها ـ خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. فـ " هذان " مبتدأٌ، و " لَساحران " خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم " هذن " بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.

وأمَّا تشديدُ نونِ " هذان " فعلىٰ ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.

وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ " إنْ " نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم " ما هذانِ إلاَّ ساحران ".

وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنىٰ. أمَّا الإِعرابُ فـ " هذَيْن " اسمُ " إنَّ " وعلامةُ نصبِه الياءُ. و " لَساحِران " خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً. وأمَّا مِنْ حيث المعنىٰ: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه " هذن " بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: " لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ ". وقال أبو عبيد: " رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان " هذن " ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها ".

قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.

وذهب جماعةٌ ـ منهم عائشةُ رضي الله عنها وأبو عمروٍ ـ إلى أن هذا ممّا لَحَنَ فيه الكاتبُ وأُقيم بالصواب.

السابقالتالي
2 3