الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى }

قوله: { فَلَنَأْتِيَنَّكَ }: جوابُ قسمٍ محذوفٍ تقديرُه: واللهِ لَنَأْتِيَنَّك. وقوله: " بسِحْرٍ " يجوز أن يتعلَّقَ بالإِتيان، وهذا هو الظاهرُ، ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ فاعلِ الإِتيان أي: ملتبسين بسِحْرٍ.

قوله: { مَوْعِداً } يجوز أن يكونَ زماناً. ويُرَجِّحه قولُه: { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ } والمعنىٰ: عَيَّن لنا وقتَ اجتماع؛ ولذلك أجابهم بقوله: { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ }. وضَعَّفوا هذا: بأنه يَنْبُوا عنه قوله: { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ } ، وبقوله: { لاَّ نُخْلِفُهُ }. وأجاب عن قوله: { لاَّ نُخْلِفُهُ } بأنَّ المعنىٰ: لا نُخْلِفُ الوقتَ في الاجتماع. ويجوز أن يكون مكاناً. والمعنى: بَيِّنْ لنا مكاناً معلوماً نعرفه نحن وأنت... ويُؤَيَّدُ بقوله: { مَكَاناً سُوًى } قال: فهذا يَدُلُّ على أنه مكانٌ، وهذا يَنْبُوْ عه قوله: { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ }.

ويجوز أَنْ يكونَ مصدراً، ويؤيِّد هذا قولُه: { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ } لأنَّ المواعدَة تُوْصَفُ بالخُلْفِ وعدمِه. وإلى هذا نحا جماعةٌ مختارين له. ورُدَّ عليهم بقولِه: { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ } فإنه لا يطابقه.

وقال الزمخشري: " إنْ جَعَلْتَه زماناً نظراً في أن قولَه: { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ } مطابقٌ له لَزِمك شيئان: أن تجعلَ الزمان مُخْلَفاً، وأن يَعْضُلَ عليك ناصبٌ " مكاناً " ، وإن جَعَلْتَه مكاناً لقوله: { مَكَاناً سُوى } لَزِمك أيضاً أَنْ تُوْقِعَ الإِخلاف على المكان، وأن لا يطابِقَ قولَه موعدُكم يومُ الزينة، وقرءةُ الحسن غيرُ مطابقةٍ له زماناً ومكاناً جميعاً لأنَّه قرأ " يومَ الزينة " بالنصب، فبقي أن يُجْعل مصدراً بمعنى الوَعْدِ، ويقدَّرَ مضافٌ محذوفٌ أي: مكان الوعد، ويُجْعلَ ضميرُ في " نُخلِفُه " للموعِد، و " مكاناً " ، بدل من المكان المحذوف. فإن قلت: فكيف طابقه قولُه: { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ } ، ولا بُدَّ من أن تجعلَه زماناً، والسؤالُ واقعٌ عن المكان لا عن الزمان؟ قلت: هو مطابقٌ معنىً، وإن لم يطابقْه لفظاً؛ لأنهم لا بُدَّ لهم أن يجتمعوا يومَ الزينة في مكانٍ بعينه مُشْتَهِرٍ باجتماعِهم فيه في ذلك الزمان. فبذِكْر الزمانِ عُلِمَ المكانُ. وأما قراءةُ الحسنِ فالموعدُ فيها مصدرٌ لا غيرَ. والمعنى: إنجازُ وعدِكم يومَ الزينة، وطابقَ هذا أيضاً من طريق المعنىٰ. ويجوز أن لا يُقَدَّرَ مضافٌ محذوف، ويكون المعنى: اجعل بيننا وبينك وعداً لا نُخْلفه ".

وقال أبو البقاء: " هو هنا مصدر لقوله: { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ }.

والجَعْل هنا بمعنى التصيير. ومَوْعِداً مفعولٌ أولُ والظرفُ هو الثاني. والجملةُ مِنْ قوله: " لا نُخْلِفُه " صفةٌ لموعداً. و " نحن " توكيدٌ مُصَحِّحٌ للعطفِ على الضميرِ المرفوعِ المستترِ في " نُخْلفه " و " مكاناً " بدلٌ من المكان المحذوف كما قرره الزمخشري. وجَوَّز أبو علي الفارسي وأبو البقاء أن ينتصِبَ " مكاناً " على المفعول الثاني لـ " اجعَلْ " قال: " ومَوْعداً على هذا مكانٌ أيضاً، ولا ينتصِبُ بـ مَوْعد لأنه/ مصدرٌ قد وُصِف " يعني أنه يَصِحُّ نصبُه مفعولاً ثانياً، ولكنْ بشرطِ أن يكونَ المَوْعِدُ بمعنى المكان؛ ليتطابقَ المبتدأُ أو الخبرُ في الأصل.

السابقالتالي
2