الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ }

قوله: { ٱلرَّحْمَـٰنُ }: العامَّةُ على رفعهِ، وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنه بدلٌ من الضميرِ المستكنِّ في " خَلَق ". ذكره ابنُ عطية. وردَّه الشيخُ بأن البدلَ يَحُلُّ مَحَلَّ المبدلِ منه، ولو حَلَّ هنا مَحَلَّه لم يَجُزْ لخلوِّ الجملةِ الموصولِ بها مِنْ رابطٍ يربطُها به. الثاني: أن يرتفعَ على خبرِ مبتدأ مضمرٍ، تقديرُه: هو الرحمن. الثالث: أن يرتفعَ على الابتداءِ مشاراً بلامِه إلى مَنْ خَلَقَ، والجملةُ بعده خبرُه.

وقرأ جناح بن حبيش " الرحمنِ " مجروراً. وفيه وجهان، أحدهما: أنه بدلٌ من الموصولِ. لا يقال إنه يؤدي إلى البدلِ بالمشتق وهو قليلٌ؛ لأنَّ الرحمنَ جرىٰ مَجْرى الجوامدِ لكثرة إيلائِه العواملَ. والثاني: أن يكونَ صفةً للموصول أيضاً.

قال الشيخ: " ومذهبُ الكوفيين أنَّ الأسماءَ النواقصَ كـ " مَنْ " و " ما " لا يُوصَف منها إلاَّ " الذي " وحدَه، فعلى مذهبِهم لا يجوز أن يكونَ صفةً ". قال ذلك كالرادِّ على الزمخشري.

والجملةُ مِنْ قولِه { عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } خبرٌ لقولِه " الرحمنُ " على القول بأنه مبتدأٌ، أو خبرُ مبتدأ مضمرٍ إنْ قيل: إنه مرفوعٌ على خبر مبتدأ مضمر، وكذلك في قراءةِ مَنْ جَرَّه.

وفاعلُ " استوىٰ " ضميرٌ يعودُ على الرحمنِ، وقيل: بل فاعلُه " ما " الموصولةُ " بعده أي: استوى الذي له في السماوات، قال أبو البقاء: " ويقال بعضُ الغلاةِ: " ما " فاعلُ " استوىٰ ". وهذا بعيدٌ، ثم هو غيرُ نافعٍ له في التأويل، إذ يبقى قولُه { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ } كلاماً تاماً ومنه هرب ". قلت: هذا يُروى عن ابنِ عباس، وأنه كان يقف على لفظ " العرش " ، ثم يبتدِىءُ " استوىٰ له ما في السماوات " وهذا لا يَصِحُّ عنه.