الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى }

قوله: { تَنزِيلاً }: في نصبِه أوجهٌ، أحدها: أن يكونَ بدلاً مِنْ " تذكرةً " إذا جُعِل حالاً لا إذا كان مفعولاً [له] لأنَّ الشيءَ لا يعَلَّلُ بنفسِه. قلت: لأنه يصيرُ التقديرُ: ما أنزَلْنا القرآنَ إلاَّ للتنزيل. الثاني: أن ينتصبَ بـ نزَّل مضمراً. الثالث: أن ينتصبَ بـ " أَنْزَلْنا " لأنَّ معنى ما أنزلناه إلاَّ تذكرةً: أنزَلْناه تذكرةً. الرابع: أن ينتصبَ على المدحِ والاختصاصِ.

الخامس: أن ينتصبَ بـ " يَخْشَىٰ " مفعولاً به أي: أنزله للتذكرةِ لمَنْ يخشىٰ تنزيلَ الله، وهو معنى حسنٌ وإعرابٌ بيِّن.

قال الشيخُ: ـ ولم يُنْصِفْه ـ " والأحسنُ ما قدَّمناه أولاً من أنه منصوبٌ بـ " نَزَّل " مضمرةً. وما ذكره الزمخشري مِنْ نصبه على غيره فمتكلَّفٌ: أمَّا الأولُ ففيه جَعْلُ تذكرةً وتنزيلاً حالين، وهما مصدران. وجَعْلُ المصدرِ/ حالاً لا ينقاسُ.

وأيضاً فمدلولُ " تذكرةً " ليس مدلولَ " تنزيلَ " ، ولا " تنزيلاً " بعضُ تذكرة. فإن كان بدلاً فيكونُ بدلَ اشتمالٍ على مذهبِ مَنْ يرى أن الثاني مشتملٌ على الأولِ؛ لأنَّ التنزيلَ مشتملٌ على التذكرة وغيرِها. وأمَّا قولُه: " لأنَّ معنى ما أنزلناه إلاَّ تذكرة: أَنْزَلْناه تذكرةً " فليس كذلك لأنَّ معنى الحصرِ يَفُوت في قولِه أنزلناه تذكرةً. وأمَّا نصبُه على المدحِ فبعيدٌ. وأمَّا نصبُه بـ " يَخْشىٰ " ففي غاية البُعْدِ لأنَّ " يخشى " رأسُ آيةٍ وفاصلٌ، فلا يناسبُ أن يكونَ " تنزيلاً " منصوباً بـ " يَخْشىٰ " ، وقوله فيه " وهو حسنٌ وإعرابٌ بيِّنٌ " عُجمةٌ وبُعْدٌ عن إدراك الفصاحة ".

قلت: ويَكْفيه ردُّه الشيءَ الواضحَ مِنْ غير دليل، ونسبةُ هذا الرجلِ إلى عدمِ الفصاحةِ ووجودِ العُجْمة.

قوله: { مِّمَّنْ خَلَق } يجوز في " مِنْ " أن تتعلق بـ " تنزيلاً " ، وأن تتعلقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لـ " تنزيلاً ". وفي " خَلَق " التفاتٌ مِنْ تَكَلُّمٍ في قوله " أَنْزَلْنا " إلى الغَيْبة. وجوَّز الزمخشري أن يكونَ " ما أنزَلْنا " حكايةً لكلامِ جبريل وبعضِ الملائكة فلا التفاتَ على هذا.

وقوله: { ٱلْعُلَى } جمع عُلْيا نحو: دنيا ودُنا. ونظيرُه في الصحيح كُبْرى وكُبَر، وفُضْلى وفُضَل.