الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ }

قوله: { هِيَ عَصَايَ }: " هي " تعود على المُسْتَفْهَمِ عنه. وقرأ العامَّةُ " عصايَ " بفتح الياء، والجحدري وابن أبي إسحاق " عَصَيَّ " بالقلب والإِدغام. وقد تقدم في أول البقرة توجيهُ ذلك، ولمَنْ تُنْسَبُ هذه اللغةُ، والشعرُ المَرْوِيُّ في ذلك. ورُوي عن أبي عمرو وابن أبي إسحاق أيضاً " عَصَاْيْ " بسكونها وصلاً. وقد فَعَلَ نافعٌ مثلَ ذلك في " مَحْيَاْيْ " فجمع بين ساكنين وصلاً، وتقدَّم الكلام هناك.

قوله: { أَتَوَكَّأُ } يجوز أن يكونَ خبراً ثانياً لـ " هي " ، ويجوز أن يكونَ حالاً: إمَّا مِنْ " عصايَ " ، وإمَّا من الياء. وفيه بُعْدٌ؛ لأنَّ مجيءَ الحالِ من المضاف/ إليه قليلٌ، وله مع ذلك شروطٌ ليس فيه شيءٌ منها هنا. ويجوز أن تكون جملةً مستأنفةً. وجَوزَّ أبو البقاء نقلاً عن غيره أن تكونَ " عصايَ " منصوبةً بفعل مقدَّر، و " أتوكَّأُ " هو الخبر، ولا ينبغي أَنْ يقال ذلك.

والتوَكُّؤ: التحامُلُ على الشيءِ، وهو بمعنى الاتكاء. وقد تقدَّم تفسيرُه في يوسف فهما من مادةٍ واحدة، وذكَرْتُه هنا لاختلاف وَزْنَيْهما.

والهَشُّ ـ بالمعجمةِ ـ الخَبْطُ. يقال: هَشَشْتُ الوَرَقَ أَهُشُّه أي: خَبَطْتُه ليسقطَ، وأمَّا هَشَّ يَهِش بكسر العين في المضارع فبمعنى البَشاشة، وقد قرأ النخعي بذلك فقيل: هو بمعنىٰ أهُشُّ بالضمِّ، والمفعولُ محذوفٌ في القراءتين أي: أهشُّ الورقَ أو الشجرَ. وقيل: هو في هذه القراءةِ مِنْ هَشَّ هَشاشةً إذا مال. وقرأ الحسن وعكرمة " وأَهُسُّ " بضم الهاءِ والسينِ المهملة وهو السَّوْقُ، ومنه الهَسُّ والهَساس، وعلى هذا فكان ينبغي أن يتعدَّىٰ بنفسه، ولكنه ضُمِّنَ معنىٰ ما يتعدَّى بـ " على " وهو أَقوم. ونقل ابن خالويه عن النخعي أنه قرأ " وأُهِشُّ " بضم الهمزة وكسر الهاء مِنْ " أَهَشَّ " رباعياً وبالمهملة، ونقلها عنه الزمخشري بالمعجمة فيكون عنه قراءات.

ونقل صاحب " اللوامح " عن مجاهد وعكرمة " وأَهُشُ " بضم الهاء وتخفيف الشين قال: " ولا أعرف لها وجهاً " إلاَّ أَنْ يكونَ قد استثقل التضعيف مع تفشِّي الشين فخفف، وهو بمعنىٰ قراءة العامة.

وقرأ بعضهم " غَنْمي " بسكون النون ولا ينقاس. والمآرب: جمع مَأْرَبة وهي الحاجة وكذلك الإِرْبة أيضاً. وفي راء " المأربة " الحركاتُ الثلاثُ. و " أخرىٰ " كقوله:ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 110] وقد تقدم قريباً. قال أبو البقاء: " ولو قيل " أُخَر " لكانَ على اللفظ " يعني: " أُخَر " بضمِّ الهمزة وفتح الخاء، وباللفظ لفظ الجمع. ونقل الأهوازي عن شيبة والزهري " مارب " قال " بغيرِ همزٍ " كذا أَطْلق. والمرادُ بغير همز محقق بل مُسَهَّلٌ بين بين، وإلاَّ فالحذفُ بالكليَّةِ شاذٌّ.