الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } * { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ }

قوله: { لِذِكْرِيۤ }: يجوزُ أَنْ يكونَ المصدرُ مضافاً لفاعلِه ِأي: لأنِّي ذكرتُها في الكتب، أو لأنِّي أذكرُك. ويجوز أن يكونَ مضافاً لمفعولِه أي: لأِنْ تذكرَني. وقيل: معناه ذِكْرُ الصلاةِ بعد نِسْيانِها كقولِه عليه السلام: " مَنْ نام عن صلاةٍ أو نَسِيها فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها " قال الزمخشري: " وكان حقٌّ العبارة: " لذكرها ". ثم قال: " ومَنْ يَتَمَحَّلْ له أن يقول: إذا ذَكَر الصلاة فقد ذكر [اللهَ]، أو على حذفِ مضاف أي: لذكر صلاتي، أو لأنَّ الذِّكْرَ والنيسانَ من الله تعالى في الحقيقة ".

وقرأ أبو رجاء والسُّلمي " للذكرىٰ " بلام التعريف وألفِ التأنيث. وبعضهم " لذكرىٰ " منكرةً، وبعضهم " للذكر " بالتعريف والتذكير.

قوله: { أَكَادُ أُخْفِيهَا } العامةُ على ضمِّ الهمزةِ مِنْ " أُخْفيها ". وفيها تأويلاتٌ، أحدُها: أن الهمزةَ في " أُخْفيها " للسَّلْبِ والإِزالةِ أي: أُزيل خفاءَها نحو: أعجمتُ الكتابَ أي: أزلْتُ عُجْمَتَه. ثم في ذلك معنيان، أحدهما: أنَّ الخفاءَ بمعنى السَّتْر، ومتى أزال سَتْرَها فقد أظهرَها. والمعنى: أنها لتحقُّق وقوعِها وقُرْبِها أكادُ أُظْهِرُها لولا ما تَقْتضيه الحكمةُ من التأخير. والثاني: أنَّ الخفاءَ هو الظهورُ كما سيأتي. والمعنىٰ: أزيلُ ظهورَها، وإذا أزالَ ظهورَها فقد استترَتْ. والمعنىٰ: أني لِشدَّةِ أبهامها أكاد أُخْفيها فلا أُظْهِرُها/ البتةَ، وإن كان لا بد من إظهارِها؛ ولذلك يوجدُ في بعض المصاحف كمصحف أُبَيّ: أكاد أُخْفيها مِنْ نفسي فكيف أُظْهِرُكُمْ عليها؟ وهو على عادةِ العرب في المبالغة في الإِخفاء قال:
3277ـ أيامَ تَصْحَبُني هندٌ وأُخْبِرُها     ما كِدْت أكتُمُه عني من الخبرِ
وكيف يُتَصَوَّرُ كِتْمانُه مِنْ نفسه؟

والتأويلُ الثاني: أنَّ " كاد " زائدةٌ. قاله ابنُ جُبَيْر. وأنشدَ غيرُه شاهداً عليه قولَ زيدِ الخيل:
3278ـ سريعٌ إلى الهَيْجاء شاكٍ سلاحُه     فما إنْ يكادُ قِرْنُه يتنفَّسُ
وقال آخر:
3279ـ وألاَّ ألومَ النفسَ فيما أصابني     وألا أكادَ بالذي نِلْتُ أَبْجَحُ
ولا حُجَّةَ في شيءٍ منه.

والتأويل الثالث: أنَّ الكَيْدُوْدَةَ بمعنى الإِرادة ونُسِبت للأخفش وجماعةٍ، ولا ينفعُ فيما قصدوه.

والتأويل الرابع: أنَّ خبرَها محذوفٌ تقديره: أكاد آتي به لقُرْبها. وأنشدوا قول ضابىء البرجمي:
3280ـ هَمَمْتُ ولم أفْعَلْ وكِدْتُ وليتني     تَرَكْتُ على عثمانَ تَبْكي حلائِلُهْ
أي: وكِدْتُ أفعلُ، فالوقفُ على " أكادُ " ، والابتداء بـ " أُخْفيها " ، واستحسنه أبو جعفر.

وقرأ أبو الدرداء وابنُ جبير والحسنُ ومجاهدٌ وحميدٌ " أَخْفيها " بفتح الهمزة. والمعنىٰ: أُظْهرها، بالتأويل المتقدم يقال: خَفَيْتُ الشيءَ: أظهَرْتُه، وأَخْفَيْتُه: سترته، هذا هو المشهور. وقد نُقِل عن أبي الخطاب أنَّ خَفَيْتُ وأَخْفَيْتُ بمعنىً. وحُكي عن أبي عبيد أنَّ " أَخْفى " من الأضدادِ يكون بمعنى أظهر وبمعنى سَتَر، وعلى هذا تَتَّحد القراءتان. ومِنْ مجيءِ خَفَيْتُ بمعنى أظهَرْت قولُ امرىء القيس:

السابقالتالي
2