الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ }

قولُه تعالى: { أَبَداً }.. منصوبٌ بَيَتَمَنَّوْه، وهو ظرفُ زمانٍ يقعُ للقليلِ والكثيرِ، ماضياً كانَ أو مستقبلاً، تقول: ما فَعَلْتُه أبداً، وقال الراغب: " هو عبارةٌ عن مدةِ الزمانِ الممتدِّ الذي لا يَتَجزَّأ كما يتجزَّأُ الزمانُ، وذلك أنه يقال: زمانَ كذا ولا يُقال: أبدَ كذا، وكان مِنْ حَقِّه على هذا ألاَّ يُثَنَّى ولا يُجْمَعَ، وقد قالوا: آباد فجَمَعوه لاختلافِ أنواعِه، وقيل: آباد لغةٌ مُوَلَّدَةٌ، ومجيئُه بعد " لَنْ " يَدُلُّ على أن نَفْيَها لا يقتضي التأبيدَ، وقد تقدَّم ذلك، ودَعْوى التأكيدِ فيه بعيدةٌ ". وقال هنا: " ولن يَتَمَنَّوْه " فنَفى بلن وفي الجمعة بـ " لا " قال صاحب المنتخب: " لأنَّ دَعْواهم هنا أعظمُ مِنْ دعواهُمْ هناك لأنَّ السعادةَ القُصْوى فوق مرتبةِ الولايةِ، لأنَّ الثانيةَ تُراد لحصولِ الأولى، والنفيُ بـ " لن " أَبْلَغُ مِن النفي بـِ " لا ".

قوله: { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } متعلِّقٌ بيتمنَّوْه، والباءُ للسببية أي بسببِ اجتراحِهم العظائمَ. و " ما " يجوزُ فيها ثلاثةُ أوجهٍ، أَظْهَرُها: كونُها موصولةً بمعنى الذي. والثاني: نكرةٌ موصوفةٌ والعائدُ على كلا القولَيْنِ محذوفٌ أي: بما قَدَّمَتْه، فالجملةُ لا محلَّ لها على الأولِ، ومحلُّها الجرُّ على الثاني. والثالث: أنَّها مصدريَّةٌ أي: بتَقْدِمَةِ أيديهِم. ومفعولُ " قَدَّمَتْ " محذوفٌ أي: بما قَدَّمَتْ أيدِيهم الشرَّ أو التبديلَ ونحوَه.